للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويؤكد بيريز نهاية التاريخ (ونهاية الإنسان ونزع القداسة عن كل شيء والتفكيك الكامل لكل ما هو إنساني، حين يعلن أن ماضي العلاقات العربية الإسرائيلية ينبغي ألا يقف عقبة فى وجه الفرص المتاحة أمامها الآن، بل ينبغي تركيز الاهتمام كله على المستقبل. فلا داعي، على سبيل المثال، للحديث عن الماضي أو عن القيم إذ يجب التركيز على الآن وهُنا. ولذا، يتحدث بيريز، شأنه شأن فوكوياما، عن نهاية التاريخ: "العصر الذهبي لشعوب الشرق الأوسط، عصر لم ير له التاريخ مثيلاً، عصر مناسب للعهد الجديد"، وهكذا يلتقى بيريز بكلٍّ من فوكوياما ومفكري ما بعد الحداثة داخل السوبر ماركت وداخل ورش المصانع، هذا الفضاء المادي الذي لا يعرف الزمان أو التاريخ أو الإنسان أو الإله.

وهذا يعني في واقع الأمر محو الذاكرة التاريخية بشكل واع ونشيط (وهذا هو جوهر ما بعد الحداثة) وتناسى السبب الأساسي للصراع: أن التشكيل الإمبريالي الغربي قد غرس كياناً استيطانياً إحلالياً على أرض فلسطين، وأباد مَنْ أباد من أهلها ثم شرَّد مَنْ شرد، وها هو يضع البقية الباقية تحت حكم السلاح.

واختفاء التاريخ والذاكرة يعني اختفاء القصة العربية والإسلامية الكبرى وظهور القصص القطرية والفردية والقَبَلية والاستهلاكية الصغرى، أي يعني تَفتُّت العالم العربي وتَشرذُمه، أي تحقُّق القصة الصهيونية الكبرى، دون مواجهة وقتال.

<<  <  ج: ص:  >  >>