ويذهب المفكر العربي منير شفيق إلى أن المشروع الصهيوني يحتم ضرورة أن يكون الشرق العربي مشتتاً مبعثراً لا يتمتع بدرجة تماسك عالية ولا توجُّه حضاري واضح؛ شرقاً عربياً لا يتحكم في ثرواته. وأن ما يحدث للعراق ليس حالة استثنائية وإنما هو نموذج لرؤية النظام العالمي الجديد (وصهيونية ما بعد الحداثة) لوطننا العربي وللعالم الإسلامي. فهذا النظام يقوم بتجريد العراق من سلاحه وقدرته العسكرية والعلمية، ويُضعف دولته القومية المركزية (ويقوى الأطراف) حتى يظل العراق موحداً ولكن ضعيفاً، فالمطلوب هو عراق واحد متآكل داخلىاً، يشل بعضه بعضاً ولا يستطيع أن يستعيد عافيته لعشرات السنين القادمة حتى لو تغيَّر النظام العراقي الراهن. ويرى منير شفيق أن هذا جزء مما أسماه "سايكس بيكو الثانية"، أي تجزئة كل جزء من الأجزاء داخلياً حتى تصبح عملية الإجهاض نابعة من الداخل، ولذا فهو يقول فى جملة دالة جداً "إن من يربط ما يحدث للعراق بما حدث للكويت يخطئ خطأً فادحاً". فلو ثبت أن إحدى الدول العربية بدأت تنهض وتقف على قدميها وتحقق استقلالها وتنمي نفسها خارج نطاق النظام العالمي الجديد، فلابد أن يكون مصيرها هو مصير العراق، حتى لو لم تهاجم الكويت، فالعراق هنا نموذج، ولم يكن اجتياح الكويت إلا تكأة.
إن الوطن العربي يجب أن يصبح "المنطقة"(كما يُشار إليه فى الكتابات الصهيونية والغربية) رقعة بلا تاريخ ولا ذاكرة ولا هوية ولا مصالح مستقلة. ويجب أن تكرس سياسة المصلحة الضيقة الخاصة لكل دولة، وكذلك أمنها واستقرارها وتنميتها، ونسيان شيء اسمه المصلحة العربية العليا أو الإسلامية العليا أو الأمن العربي والإسلامي والسوق العربية المشتركة!