للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهنا الإبهامُ فِي الْإِيجَابِ والتعيين فِي الْقَبُولِ لَا يَصِحُّ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّعْيِينُ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، ولكن الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لمَّا قَالَ: زَوَّجْتُك إحدى بناتي. قال: قَبِلْتُ عائشةَ. وهنا حَصَل التعيين، لكن المُوجِب الَّذِي هُوَ الْوَلِيُّ أَرَادَ أَنْ يُفْسِحَ له المجال في الاختيار، فهذا ظاهره صِحَّةُ الْعَقْدِ، لَا سِيَّمَا إِذَا قَالَ: زَوَّجْتُك إحدى بناتي هؤُلاءِ. وعَيَّنَهم، فقال: قبلتُ عائشة. وَهِيَ مِنَ المُعَيَّنات، فَهَذَا أَيْضًا أَقْرَبُ إِلَى الصِّحة؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ تعيين بالإشارة، ثم عَيَّن واحدةً منهن بالقَبول.

ولكن قِصَّة مُوسَى هنا لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا حينئذ، ولأنَّه لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا بَعْدُ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قد يُفْهَمُ مِنَ الآيَةِ أَنَّ الْأَبَ يملك الْعَقْدَ عَلَى ابْنَتِهِ دُونَ رضاها، وَلَكِنَّ الآيَةَ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ؛ إِذْ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ قد استأذن منهما قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ أَنَّهُ فَهِمَ منهما الرضا؛ لكونها عَرضَتْ عليه، ووصفتْه بالقُوة والأمانة.

وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، حَتَّى لَوْ فَرَضْنَا احتمالَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْ؛ فإنَّ شريعتنا وَرَدَتْ بِخِلَافِ ذَلِكَ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُزَوِّجَ ابنته بِدُونِ رضاها، وأمَّا الْعَقْدُ إِذَا زَوَّجَ ابنته بِدُونِ رضاها فيُعْتَبَر باطلًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: جَواز اشتراط الأب شَيْئًا مِنَ الصَّدَاقِ لَهُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ زوَّجه عَلَى أَنْ يأجُره ثَمَانِيَ حِجَج في رَعْي الغَنَم، فَيَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الأبُ مهرَ ابنته له، وَهَذَا فِيهِ إشكالٌ بالنِّسبة لشريعتنا؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ} [النساء: ٤]، وقال: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧].

<<  <   >  >>