للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ شَيْئًا: "اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ" (١)، وهذا منفعة.

لكن لو اشترطَت عَلَيْهِ أَنْ يخدمها، يعني أَنْ يَكُونَ مَهْرُها خدمتها، فمثلًا: هَذِهِ امرأةٌ عجوزٌ كبيرةٌ خَطَبَها إنسانٌ لَيْسَ عِنْدَهُ مَالٌ، أو عِنْدَهُ مَالٌ، وقالت: المهر أنك تخدمني، أن تحملني -مثلًا- لأتوضأ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا تُقَوِّم حذائي، تغسل ثوبي، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فهذا فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لأن مَقَام الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ أَعْلَى مِنْ مَقَامِ الزوجة، فَإِنَّ الزَّوْجَ سَيِّدٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: ٢٥]، والزوج رَجُلٌ، فَهُوَ قَوَّامٌ عَلَى المَرْأَةِ، قَالَ تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: ٣٤]، والمرأةُ أَسِيرٌ عِنْدَ الزَّوْجِ، قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ" (٢).

وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ المَهْرُ خدمتَها، انعكست القضية، وصار الأعلى هو الأسفل، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، ولكن المَذْهَبُ جَوَازُ ذَلِكَ؛ لأنَّها مَنفعة، وكما يَجُوزُ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ بيتها، ويرعى غَنَمَها، فكذلك أَنْ يَقُومَ بخدمتها، وهذا التَّعلِيل لَا يَمْنَعُ، فيخدمها الزَّوْجُ فِيَما اشترطت عليه، وتخدمه فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا، فتكون خادمةً مَخدومة؛ كحَرْفِ الجَرِّ يعمل فيه الْفِعْل، وَهُوَ يَجُرُّ الاسم، هو عامِلٌ مَعْمُول.

وَقَدْ تَكُونُ مصلحة الزَّوْجِ فِي خدمة زوجته، كأن تكون غَنِيَّة، وينتظر موتها حتى يرث منها، وَقَدْ يَحْدُثُ العكس، لكن الأمر حسب الحال، فَهَذَا رَجُلٌ شَابٌّ


(١) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب القراءة عن ظهر القلب، رقم (٤٧٤٢)، ومسلم: النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد، رقم (١٤٢٥).
(٢) أخرجه الترمذي: كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها، رقم (٣٠٨٧) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه: كتاب النكاح، باب حق المرأة على الزوج، رقم (٣٠٥٥).

<<  <   >  >>