للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَممِنْ قَدْ يَكُونُ الموكِّل يَعْرِفُ أَنَّ سلعتَه لَا تَزِيدُ عن المائة، فيقول للوكيل: اذهب وبِعْهَا بمائةٍ، وَمَا زَادَ فَهُوَ لَكُ. فيذهب وَهُوَ لَا يَدْرِي، يَظُنُّ أَنَّه سيبيعها بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ، فيَظَلُّ يُحاول ويُحاول، فما بِيعت إلا بثمانين، أو تسعين مثلًا، فيَكُونُ فِي هَذَا غَرَرٌ على الوكيل، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، والعكس أَيْضًا لَا يَجُوزُ.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: حُسن معاملة صاحب مَدْينَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أولًا: أنه فَسَحَ لَهُ فِي الْأَجَلِ، فقال: {ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ}.

ثانيًا: أنه وَعَدَهُ بالتيسير فِي المُعَامَلَةِ، حَيْثُ قَالَ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ}، فهذان دليلان عَلَى أَنَّهُ كَانَ سمحًا فِي مُعَامَلَتِهِ.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: يُستفاد مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}، أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ إِلَّا مَقْرُونًا بالمشيئة، بَلْ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَهَى نَبِيَّهُ أَنْ يعزِمَ عَلَى فِعْلِ الشَّيْء بِدُونِ قَرْنِه بالمشيئة، فقال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: ٢٣].

والقَرْنُ بالمشيئة فِيهِ فَائِدَتَانِ:

الْأُولَى: تفويضُ المرءِ الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ، وَهَذَا هُوَ تحقيقُ التوكّل.

الثَّانية: تيسير الْأَمْرِ لَهُ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي قِصَّةِ سليمان: "لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكانَ دَرَكًا لحَاجَتِهِ" (١).


(١) أخرجه البخاري: كتاب كفارات الأيمان، باب الاستثناء في الأيمان، رقم (٦٣٤١)، ومسلم: كتاب الأيمان، باب الاستثناء، رقم (١٦٥٤).

<<  <   >  >>