للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[وَهُوَ المَظْنُونُ بِهِ] يَعُودُ عَلَى الْعَشْرِ، يعني: الَّذِي يُظَنُّ بموسى أَنَّهُ أتَمَّ عَشْرًا.

وَلَكِنَّ الآيَةَ مُحُتَمِلَةٌ، فترجيح العَشر بِنَاءً عَلَى المَعْلُومِ مِنْ حَالِ مُوسَى -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ الْكَرَمِ والوفاء، وترجيح أنه ثمانٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وموسى كَانَ فِي اشتياقٍ إلى بلاده بمصر، وَقَدْ قَالَ فِيمَا سَبَقَ معتذرًا {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ}، وهذه جملة قد تشير إِلَى أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْأَجَلِ الواجب، وَإِلَّا فَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّهُ إِذَا قَضَى الأجَل الأول؛ فَإِنَّهُ لَا أَحَدَ يَلُومُه، أو يعتدي عليه، فلكُلٍّ منهما وجهٌ، وموقفنا نَحْنُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْ نُبهِمَ ما أَبْهَمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فنقول: قضى الأجَلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّهما قضاه.

ولكن هناك أثَرٌ مَرْوِيٌّ عن عطاء بن السائب قَالَ لَقِيَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَاهِبًا فَقَالَ سَعِيدٌ: أَيَّما الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ فَلَمْ يَدْرِ، فَلَقِيتُ ابن عَبَّاسٍ فَسَألتُهُ فَقَالَ: "قَضَى أَوْفَاهُمَا" (١). وَهُوَ الْعَشْرُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَكْثَرِ المُفَسِّرين.

وَلَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ لَا يُوجَدُ مَا يُرَجِّحُه، فتفسيرُ الصحابي ليس صحيحًا مطلقًا، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الصحابي ممن عُرف بِالْأَخْذِ مِنَ الإسرائيليات، مِثْل ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي اللَّه عنه-.

قوله تعالى: {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} السير معناه: المشي، سار بأهله مِنْ عِنْدِ صاحب مَدْيَن وأهله.


(١) أخرجه سفيان الثوري في تفسيره، رقم (٧٥٤) موقوفًا على ابن عباس، وقد روي مرفوعًا من حديث جابر بن عبد اللَّه قال: سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أَيُّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: "أَوْفَاهُمَا". أخرجه الطبراني في الأوسط (٨/ ١٩٢، رقم ٨٣٧٢)، وقال: لم يرو هذا الحديث عن جابر إلا بهذا الإسناد، تفرد به هشام بن عمار. وكذلك من حديث عُتْبَةَ بْنِ النُّدَّرِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَيُّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: "أَبَرَّهُمَا وَأَوْفَاهُمَا". أخرجه الطبراني في الكبير (١٧/ ١٣٤، رقم ٣٣٢).

<<  <   >  >>