أَخْبَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ "مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ" (١).
فَإِذَا كَانَ الإِنْسَان يتعود الرعاية، ومسئولية الرعية، فَإِنَّ هَذَا فِيهِ توطئة لما يُوكَل إِلَيْهِ فِيمَا بَعْدُ.
المهم: أَنَّ اللَّهَ يُقَدِّر لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْأَسْبَابِ مَا يَصِلُ بِهِ إِلَى درجة الكمال.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ -عليهم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- حتى قَبْل النُّبُوَّةِ هُم كغيرهم مِنَ الْبَشَرِ؛ يُحِسُّون بآلام البَرَد، وكذلك بآلام الجُوع وغيره، ويهتدون إِلَى الطَّرِيقِ، وقد يَضِلُّون عنه، وهنا فائدتان شرعيتان:
الْأُولَى: أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الغيب؛ إِذْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغيبَ ما ضَلُّوا عَنِ الطَّرِيقِ.
الثَّانية: أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ لأنفسهم نَفْعًا، وَلَا ضَرًّا، فإذا كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ ضَرًّا لأنفسهم، فلغيرهم مِنْ بَابِ أَوْلى، وهذا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي قَوْلِهِ تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: ٥٠]، وَقَالَ اللَّهُ تعالى لِنَبِيِّه: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الجن: ٢١ - ٢٢].
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ اللَّهَ تعالى إِذَا أَرَادَ أمرًا هَيَّأَ أَسْبَابَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ لمَّا أَرَادَ أَنْ يُوحِيَ إِلَى نَبِيِّهِ مُوسَى فِي ذَلِكَ المكان، هَيَّأ له أسبابًا تُوَصِّلُه إِلَى النَّارِ التي رآها وقَصَدَها.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَبْقَى فِي المَكَانِ الَّذِي فارَقَهُ فيه صاحبُه، لأن مُوسَى قَالَ لِأَهْلِهِ: {امْكُثُوا}، حتى يَسْتَطِيعَ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِم، وَكَذَلِكَ هُمُ لا يَضِلُّون عَنِ الطَّرِيقِ، وهذه عَادَةٌ مِنَ الحزم.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الإجارة، باب رعي الغنم على قراريط، رقم (٢٢٦٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute