للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَانْظُرْ إِلَى قِصَّة عَائِشَةَ فِي الْإِفْكِ (١) لمَّا جَاءَتْ، ووجَدَتِ الْقَوْمَ قَدْ رَحَلُوا، بَقِيَتْ فِي مَكَانِهَا؛ لأنَّها عَلِمْت أَنَّهُمْ إِذَا فَقَدُوها فسوف يرجعون إليها مَرَّة أخرى، لَكِنْ لَوْ ذَهَبَتْ فَسَتَضِلُّ عنهم، وهُم إِذَا جَاءُوا فلن يجدوها.

الْفَائِدَةُ السَّادِسةُ: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ معاملة موسى لأهله؛ إِذْ جَعَلَ يتطلب لهمْ مَا يُدفئهم، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" (٢).

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لمِنْ أَرَادَ أَمْرًا أَنْ يُخْبِرَ أَهْلَهُ عَنْ وِجهته؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ}، خِلَافًا لمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، وَلَا يُخْبِرُ أَهْلَهُ، وقد يُقْبَلُ هَذَا فِي الْأُمُورِ العادية، وَلَكِنْ إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ والسَّفَر -مثلًا- فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ أهله بوجهته.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: اتخاذ الأَسْباب لَا يُنَافِي التَّوكُّل، بَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِ التَّوكُّل، ومِن تمام معرفة الإِنْسَان بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن نأخذ بالأَسْباب؛ حيث إِنَّ الْإِنْسَانَ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تعالى جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سببًا، فيأخذ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ حتى يَصِلَ إِلَى الْغَايَةِ، لكن المحظور أَنْ يَعْتَمِدَ الإِنْسَان عَلَى السَّبَبِ ويظن أنه هو الغاية، فالتوكُّل على اللَّه مع الأخذ بالأَسْباب هَذَا مِنْ تَمَامِ معرفة الْإِنْسَانِ لِرَبِّهِ.

* * *


(١) أخرجه البخاري: كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضًا، رقم (٢٦٦١)، ومسلم: كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، رقم (٢٧٧٠).
(٢) أخرجه الترمذي: كتاب المناقب، باب في فضل أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رقم (٣٨٩٥) وقال: حسن غريب صحيح. وابن ماجه: كتاب: النكاح، باب حسن معاشرة النساء، رقم (١٩٧٧).

<<  <   >  >>