للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنقول: إِنَّ العاقبةَ لَا تَكُونُ للشَّخص الجسدِيِّ فقط، بل للشَّخصِ المعنوي، فمَقَالتُه هَذِهِ لَابُدَّ أَنْ تُنصَر.

وانظروا الآنَ إِلَى مَنْ سَبَقَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمْ مِنْ عَالمٍ أُوذِيَ فِي الحَقِّ، سواء قُتِل أَمْ لَا، تجدوا مقالاتِه ما زالت باقِيَةً، ومُنْتَشِرَةً أَكْثَرَ مِنْ غَيرِهِ، وهذا واضحٌ لمِنْ تَأَمَّلَهُ.

إذن: النصرُ لقائل الْحَقِّ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ لمقالته بَعْدَ وَفَاتِهِ، والإِنْسَان المجاهد للَّهِ هُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَثْأَرَ لنفسه، بل هَمُّه أَنْ يَبْقَى هَذَا الحَقُّ الَّذِي قَامَ بِهِ، لَا يَهُمُّهُ بقاؤه هُوَ، أَوْ مَمَاتُهُ إِذَا كَانَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، أَمَّا مَنْ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ -وَنَسْألُ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَنا مِنْ ذَلِكَ جَمِيعًا- نَجِدُه يَقُولُ إِذَا أُوذِيَ، أَوْ أَصَابَهُ ضَرَرٌ: أَنَا مَا انتصرتُ.

وَلَكِنْ مَنْ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ لَا يَشْغَلُهُ إِلَّا أَنْ تنتصر الدعوة، ولهذا فإنه يُقاتِل مِنْ أَجْلِهَا. لا بُدَّ مِنْ نَصْرِ الحَقِّ بأسبابه، فإذا أَعْيَتْكَ الأُمور جاء النَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بلا سبب.

لكنك مأمورٌ بِسُلُوكِ طريقٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى تُنْصَرَ، وَقَدْ لَا تَنَالُ النصرَ بسبب مخالفتك لهذا الطَّرِيقِ، وتقصيرك فيه، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ حَسُنت نِيَّتُه حَسُنَ فِعْلُه ونُصِر.

فالأمر هنا يختلف، ومَسائِل هَذَا الْبَابِ مِن أَدَقِّ المَسائِل، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عنها كثيرًا.

فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ كالكُرة فِي يَدِ غَيْرِهِ، يُقَلِّبُه كَيْفَ يَشَاءُ، أو تذهب به ريحٌ عاصفةٌ بعيدًا جدًّا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَّزِنًا، لا مُتُهَوِّرًا، فإذا تهَوَّرَ، ثم خالفه النصر، فالبلاء مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ.

<<  <   >  >>