للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ: {جَنَاحَكَ} المراد بالجَناح اليَد؛ لأنَّها للإنسان بمنزلة الجَناح للطائر، وقوله: {مِنَ الرَّهْبِ}: {مِنَ} السَّبَبِيَّة، وهي حَرْفُ جَرٍّ.

قال: [أَيِ: الخَوْف]، هَذَا تَفْسِيرٌ للرَّهْب، فالرَّهْبُ هُوَ الْخَوْفُ، يقول المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَي الْخَوْفُ الحَاصِلُ مِنْ إِضَاءَةِ اليَدِ بِأَنْ تُدْخِلَهَا فِي جَيْبِكَ، فتعُودُ إِلَى حَالَتِهَا الأُولَى] يعني: إذا أَدْخَلَهَا فِي جَيْبِه وأخرجَها صارت بيضاء، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعِيدَها إلى حالتها ضَمَّها إليه فعادت إلى حالها. هذا معنى كلام المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الأُولى، وَإِنَّ اللَّهَ تعالى أرشدَه إِذَا خَافَ أَنْ يضم يَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ؛ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ الْخَوْفُ، وَهَذهِ آيَةٌ خَاصةٌ لموسى فقط، أَنَّهُ إِذَا خَافَ مِنْ شَيْءٍ، فإنه يَضُمُّ يَدَهُ إِلَى نَفْسِهِ، وليست عَامَّةً لِكُلِّ أَحَدٍ، لكن رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي اللَّه عنهما- أَنَّهُ قَالَ: "لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُهُ رُعْبٌ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ الْسَّلَامُ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ فَيَضَعُهَا عَلَى صَدْرِهِ إِلَّا ذَهَبَ عَنْهُ الرُّعْبُ" (١).

والآن لدينا قولَانِ لأهل الْعِلْمِ فِي مَسْأَلةِ اليَد:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذِهِ معالجة اليد. وهذا يُضَعِّفه أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ}، وموسى لم يَرْهَبْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ مَا دَامَ قَالَ لَهُ: {بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}؛ فإنه لن يَرْهَبَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أنه عندما يحصل لموسى كَمَا فِي الآيَةِ {وَلَّى مُدْبِرًا} خائفًا، فأرشده اللَّهُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُزِيلَ الْجَوْفَ مِن شيء؛ فإنه يَضُمُّ يَدَهُ إِلَى نَفْسِهِ، {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ}، وعَبَّر عنها بالجناح؛ لأنَّها للإنسان كالجناح للطائر،


(١) تفسير القرطبي (١٣/ ٢٨٤).

<<  <   >  >>