للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا صَحِيحٌ، وهي جناحٌ أَيْضًا، يتضح ذلك في الْإِنْسَانِ عِنْدَ السعي، وَهِيَ -لَا شَكَّ- تُزَيِّنُ الْإِنْسَانَ كَمَا أَنَّ جَناح الطائر يُزَيِّنُه.

قوله تعالى: {فَذَانِكَ} بالتَّشديد والتَّخفيف، أي: العَصا واليَد، وهما مؤنَّثتان، وإنما ذُكِّرَ المشارُ به إلَيْهِما المبتدأ لتذكير خَبَرِه؛ لِأَنَّ الْيَدَ الواحدة جَناح، والأُخْرَى جناح، فإذا أَدْخَلَهَا فِي جيبه انضمت إليه اليدان كما ينضم الجناحان.

وقوله: {فَذَانِكَ} يقول: [بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ]، بالتشديد "فَذَانِّكَ"، وبالتخفيف {فَذَانِكَ}، والشاهد لهذين الْوَجْهَيْنِ مِنْ كَلَام ابن مالك (١):

وَالنُّونُ مِنْ (ذَيْنِ) وَ (تَيْنِ) شُدِّدَا ... أَيْضًا وَتَعْوِيضٌ بِذَاكَ قُصِدَا

مثل النُّونِ مِنَ (اللَّذان) و (اللَّتان).

{فَذَانِكَ} أي: العصا واليد، والعصا مؤنث، قَالَ تعالى: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} [طه: ١٨]، وَلَمْ يَقُلْ: هو عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهِ، واليد كذلك مؤنثة، قَالَ تعالى: {يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ} وَلَمْ يَقُلْ: يخرج أبيض، وَقَالَ تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: ٦٤]، فهما مؤنثتان، واسم الإشارة {فَذَانِكَ} مُذَكَّر، وَلَوْ كَانَ بالتأنيث لقال: فتَانِك برهانان. فلماذا جعله مُذَكَّرًا؟ يقول المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [وَإِنَّمَا ذُكِّرَ المُشَارُ بِهِ إِلَيْهَما المُبْتَدَأُ]؛ لأن (ذَانِ) المبتدأ، والخَبر {بُرْهَانَانِ}، وهو مُذَكَّر، فرُوعِي الخَبر هنا فذُكِّر المبتدأ.

وقوله: {بُرْهَانَانِ}، البرهان هُوَ الدَّلِيلُ، وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [مُرْسَلَانِ مِنْ رَبِّكُ]، كلمة [مُرْسَلانِ] ليست تفسيرًا لـ {بُرْهَانَانِ}، ولكنَّها بيانٌ لِمُتَعَلَّق قوله:


(١) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (١/ ١٣٨).

<<  <   >  >>