للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{مِنْ رَبِّكَ}؛ لأن كلمة (بُرهان) اسمٌ جامِدٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلَّقًا للجَارِّ والمجرور.

والبرهان ليس معناه المُرسَل، البرهان معناه الدَّليل، والدَّلِيل الْوَاضِحُ يُسَمَّى برهانًا، والمتكلمون يقولون: إِنَّ البُرهان هُوَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ، لكن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أدخل (مُرْسَلَانِ) لِيُبَيِّنَ أَنَّ قَوْلَهُ: {مِنْ رَبِّكَ} مُتَعَلِّقٌ بـ (مُرْسلان) المُقَدَّر، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُتَعلِّقًا بـ {بُرْهَانَانِ}؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ جامِد، والجارُّ والمجرور لَا يَتَعَلَّقُ إلا بفِعْل أَوْ مُشتَقٍّ، كَمَا قَالَ الناظم هنا (١):

لَا بُدَّ لِلجَارِّ مِنَ التَّعَلُّقِ ... بِفِعْلٍ أوْ مَعْنَاهُ نَحْوُ مُرْتَقِي

وَاسْتَثْنِ كُلَّ زَائِدٍ لَهُ عَمَلْ ... كَـ (الْبَا) وَ (مِنْ) وَ (الكَافِ) أَيْضًا وَ (لَعَلْ)

لكن غير المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ قال: لَا حَاجَةَ إِلَى أَنْ نُقَدِّر (مُرسلان)، بَلْ نَقُولُ: بُرهانان كائنان مِنْ رَبِّكُ، فالجارُّ والمجرور متعلقان بمحذوفٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَنْ خالَفُوه أَصَحُّ مِمَّا قاله المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ المُفَسِّر خاصٌّ، وما قدَّره غيره عامٌّ، ومُتَعَلِّق الجارِّ والمجرور إِذَا كَانَ خَاصًّا، فلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ، فلا يُحذف مُتَعَلَّق الجارِّ والمجرور، إِلَّا إِذَا كَانَ عَامًّا، مِثل كائِن، أو مَوْجُودٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

فالصَّواب إذن: أن نُبقِيَ الآيَةَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، ونقول: {مِنْ رَبِّكَ} مُتعلق بمحذوف تقديره: كائنان.

قوله تعالى: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ}، وَهَذَا الَّذِي أَوْجَبَ للمُفَسِّر أَنْ يُقَدِّرَ (مُرْسَلان) لِأَجْلِ قَوْلِه: {إِلَى فِرْعَوْنَ}، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُرْسَلًا، المُرسَل فِي الحَقِيقَةِ هو


(١) فتح رب البرية في شرح نظم الآجُرُّومية، لأحمد بن عمر بن مساعد الحازمي (ص ٧).

<<  <   >  >>