للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{لِسَانًا} أي: كلامًا، وعَبَّر باللسان عَنِ الْكَلَامِ؛ لأنه آلة الكلام، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤]، أي: بِنطُقِهم ولُغتهم.

وسبب قوله: {أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} قِيلَ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ: إِنَّ مُوسَى -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَتْ فِي لسانِه لُثْغَةٌ مِن جَمْرةٍ أخذَها ووضعها في فَمِه، وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَون أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: إنَّه طفل لَا يَدْرِي، وَلَا يَعْرِفُ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تختَبِرَه فأَعْطِه تمَرًا وجَمْرًا.

فقَدَّم التمرة والجَمرة، والجمرةُ تتلألأ، وهيئتها أَجْمَلُ مِنَ التمر، فأخذ الجَمْرَة، وَوَضَعَهَا فِي فَمِهِ، فانعقد لسانُه.

وهذه الْقُصَّةُ مِنَ الإسرائيليات، وَهَذَا غَيْرُ مُمكنٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ الجَمرة وأخذَها، لمَا استطاع أن يضعَها فِي يَدِهِ، وَلَكِنْ مَا يعاني منه مُوسَى هُوَ أَمْرٌ خِلْقي، خَلَقَ اللَّهُ بَعْضَ النَّاسِ عَلَيْهِ، ولهذا طلب مُوسَى مِنَ اللَّهِ أَنْ يحُلَّ هَذِهِ العُقدة، قال: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: ٢٧ - ٢٨].

هناك بعضُ النَّاس لديه مُشْكِلَةٌ فِي نُطق الحروف، وبعضُهم لَدَيْه مُشْكِلَةٌ فِي الْإِتْيَانِ بِصِفَة الحرف المعروفة، ولذلك فإن الصَّواب أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ الَّتِى لموسى -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وليست هناك تمرة وجَمرة.

قوله تعالى: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَيْ: مُعِينًا، وِفي قِرَاءَةٍ بِفَتْحِ الدَّالِ بِلَا هَمْزَةٍ]. أي: (رَدًا) (١).

فَهِمَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ مِنْ قَوْلِهِ: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ} [القَصَص: ٣٢]، وَلِهَذَا قَالَ: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ}، وهنا عَرَفَ أَنَّهُ


(١) حجة القراءات، لابن زنجلة (ص ٥٤٥).

<<  <   >  >>