رَسُولُ، وقولُه: {مَعِيَ} المَعِيَّة بمعنى: المُصاحبَة والمُقارَنة، وَهِيَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِحَسَبِ مَا تُضاف إليه، وتقتضي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ غَيْرَ مَا تَقْتَضِيهِ فِي المَوْضِعِ الآخَر. فالرجل إِذَا قِيلَ: معه زوجته، فَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلهِم: القائد معه جنودُه. فبينهما فرقٌ.
وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: اللبن مَعَ المَاءِ يعني: ممتزجًا مختلطًا به، وهنا {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} غير مَعِيَّة الزوج لِزوجته، ومَعِيَّة اللَّبَن للماء، ولكنها مصاحَبة يُرَادُ بِهَا التأييد والإعانة، وَلِهَذَا قَالَ: {رِدْءًا} والرِّدْء: المُعِين الظهيرُ للشخص.
قوله تعالى: {يُصَدِّقُنِي}، أي: يكون مُصَدِّقًا لي أمامَهم حتى يقوَى قولِي به، ويكونَ صِدقًا.
وَلَيْسَ المَعْنَى أَنْ يَكُونَ هارون مَعَ مُوسَى يخبر فِرْعَون أَنَّهُ صَادِقٌ فقط، بَلْ يَكُونُ كلامُه مُقوِّيًا لكلامي، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبًا لتصديقِه.
قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [بِالْجَزْمِ جَوَابُ الدُّعَاءِ، وَفِي قِرَاءَةٍ بِالرَّفْعِ، وَجُمْلتهُ صِفَةُ {رِدْءًا}]، قوله: [بِالجَزْمِ] أَيْ إِنَّ الفعل "يُصَدِّقْنِى" مجزومٌ جوابًا للدعاء، وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ}، يعني: إنْ أرسلْتَهُ صدَّقَني.
أَمَّا قَوْلُه: [فِي قِرَاءَةٍ أُخْرَى] فهو يَعْنِي فِي قِرَاءَةٍ سَبْعِيَّة، أَمَّا إِذَا قَالَ قُرِئَ بكذا، فهي قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ، وهو منهج المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، وقد تَعَرَّضْنَا له سابقًا.
ثُمَّ قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [وَجُمْلتهُ صِفَةُ {رِدْءًا}]، يعني: رِدءًا مُصَدِّقًا لي؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ.
فَائِدَةُ: القراءتان الواردتان فِي الآيَةِ تعطي مَعَانِيَ مخُتلِفَة، فَإِنْ كَانَ قَوله: "يُصَدِّقْنِى" جوابًا للطلب، فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الصِّدْقُ، وَإِذَا كَانَ صِفة، فَالمَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute