للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[غَلَبَة]، والسلطان فِي الْقُرْآنِ يَأْتِي بِمَعْنَى الغَلَبة والقُدرة، ويأتي بمعنى الدَّليل؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَتقوَّى بِهِ الْإِنْسَانُ، وَيَكُونُ لَهُ بِهِ قُوَّةٌ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يونس: ٦٨]، ومعنى {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} أي: مَا عِنْدَكُمْ دليلٌ بهذا، وقوله تعالى: {فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرَّحمَن: ٣٣]، أي: بقُوة وغَلَبة، وقوله: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} [النحل: ١٠٠]، أي: سيطرته وغَلَبَته.

قوله تعالى: {فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} أي: بسوء، والمعنى: لا ينتهون إليكما بالسوء، فما خِفْتَ مِنْهُ فَإِنَّهُ سوف ينتفي بِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَك مِنْ تأييدٍ بأخيك، وهذه بُشرَى لهما، وتُفيد التقويةَ، وهي نظيرُ قَوْلِهِ تعالى: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦].

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [اذْهَبَا {بِآيَاتِنَا}. . .] وكأنَّه يَرَى أَنَّ قَوْلَهُ: {بِآيَاتِنَا} منفصل عَنْ قَوْلِهِ: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا}، ولهذا قدَّر لها فِعلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْوُقُوفُ عَلَى قَوْلِهِ: {فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا}، ثم نبدأ فنقول: {بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ}، وَلَا يَصِحُّ أَنْ نَجْعَلَ قوله: {أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} تابعًا لتقدير المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ قَولهُ: {اذْهَبَا}؛ لأن التابعين لَمْ يَذْهَبُوا بالآيات. هَذَا وَجْهٌ.

وَالْوَجْهُ الآخَرُ هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: {بِآيَاتِنَا} مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: {وَنَجْعَلُ}، أي: ونجعل لكما سلطانًا بآياتنا، أي: بسبب آياتنا نجعل لكما السلطان، فلا يستطيعون الوصول إليكما، ولا إبطالَ دعوتِكما، وَعَلَى هَذَا لَا يُحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ فِي الآيَةِ.

وَيَتْبَعُ ذَلِكَ أَنْ نَصِل قَوْلَهُ تعالى: {فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} بقوله: {بِآيَاتِنَا} أي:

<<  <   >  >>