بسبب ما معكما مِنَ الآيَاتِ، وَهَذَا المَعْنَى هُوَ الصَّحِيحُ لأسباب؛ أولًا: لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ؛ ولأنَّ التَّقْدِيرَ لَابُدَّ أَنْ تسبِقَه مرتَبَتَان:
المرتبة الأولى: إثبات أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا، وهو يُعْرَفُ بكون المَعْنَى لَا يَسْتَقِيمُ بِدُونِ تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ.
المرتبة الثَّانية: إثبات أَنَّ تَقْدِيرَ المحذوف هو ذاك، وهذا يُعيِّنه السِّياق؛ لأن السِّياق هُوَ الَّذِي يُعيِّن نوعَ المحذوفِ.
فَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، فالأفضل عدمُ التقدير، وَهَذِهِ الآيَةُ معناها واضحٌ جدًّا عَلَى الْقَوْلِ بعدم التقدير، والمعنى هو: نجعل لكما سلطانًا بسبب آياتِنا التي معكما، {فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا}.
وَهَذَا المَعْنَى أَيْضًا أوضحُ مما قَدَّره المُفَسِّر وغيرُه؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَقُولُ تعالى: {بِآيَاتِنَا} والآيات هنا جمعٌ، وَقَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُ: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} [القَصَص: ٣٢]، فاللَّه عَزَّ وَجَلَّ قد أرسلهما بآيتين، ولذلك فالصَّواب هُوَ أَنَّ الآيَةَ موصولٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا}: ونجعل لكما سلطانًا بآياتنا، فلا يَصِلُون إليكما.
وَزَعَمَ بَعْضُ المُعْربِين أَنَّ قَوْلَهُ: {بِآيَاتِنَا} مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: {الْغَالِبُونَ}، وَهَذَا فِي المَعْنَى قَرِيبٌ مِما ذَكَرْنَا، أي: أنتما ومَن اتَّبَعَكما الغالبون بآياتنا.
والغالب فِي الآيَاتِ هُوَ الَّذِي جُعِلَ لَهُ بِهَا سلطان، ويقول عَلَى هَذَا: فلا يصلون إليكما أنتما، ومَن اتَّبَعَكُما الغالبون بآياتنا.
وَهَذَا لَا شَكَّ أنه أَحْسَنُ مِن تقدير المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى حَذْفٍ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute