للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {مَا هَذَا} أي: الذي جئتَ به يَا موسَى {إِلَّا سِحْرٌ}، وهنا مَا لَم تَعمَل عَمَل ليس -عَلَى لُغَة أَهل الحِجَاز- كَمَا قَالَ ابن مالك (١):

إعمَالَ (لَيْسَ) أُعْمِلَتَ (مَا) دُونَ (إِنْ) ... مَعَ بَقَا النَّفْي وَتَرْتِيبٍ زُكِنْ

لأنَّه يُشتَرَط في عملها بقاءُ النفي، وهنا النفي قد انتقض بالاستثناء.

قوله تعالى: {سِحْرٌ مُفْتَرًى} السِّحر المُفْتَرَى: العَصا واليد، هَذَا إذَا قلنَا: إنه يَعود عَلَى الآيات الحِسِّيَّة؛ فَإن قُلنَا: إنه يَعود إلَى الآيات المعنوية وَهيَ مِثل الإسْلام؛ فَإنَّ النَّبيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يقول: "إِنَّ مِنَ الْبَيَان لَسِحْرًا" (٢).

وقوله: {مُفْتَرًى}: مُختَلَق، فمِنَ المَعروف أَنَّه يَصحُّ وَصفُ القول بالمُفْتَرَى، ولكن الافتراء هنا جاء وصفًا للعصا واليد؛ لأن السِّحْرَ لَا يَقلب الأَشْياء حقيقة، ولكنه يَقْلِبُها تَخَيُّلا بحَسَب مَا يتخيَّلُه المرء، فَيَكون هَذَا التَّخييل مخالفًا للواقع، وَكلُّ مَا يُخَالف الواقع فهو مُفْتَرًى، فيكون ظهورُه بغير الحال الَّتي عَلَيهَا مِن باب الكذب والفِرية، وَلِهَذَا قَالُوا: {سِحْرٌ مُفْتَرًى}.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا} كَائِنًا {فِي} أَيَّامٍ {آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ}].

قوله: {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا}، المشَار إلَيه مَا جَاءَ به مِنَ الرِّسالَة؛ لأَنَّهَا هيَ المسموعة، وأما آيةُ اليد والعصا فهي مُشاهَدة مرئية.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [كَائِنًا] إشَارَة منه إلَى أَنَّ متَعَلَّق الجارِّ والمجرور بقوله: {آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} محذوف تقديرُه (كَائِنًا)، وهو هُنَا عَلَى تَقدير المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ حَالٌ


(١) ألفية ابن مالك (ص ٢٠).
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <   >  >>