للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِن اسمِ الإشارة.

وقوله: {فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} أي: في وقتهم، وَلهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ}، أي: السابقين، وَهَذَا كَذِبٌ منهم، فَقَد أَخبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عنهم أيام يوسفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} [غافر: ٣٤].

إذن: قولُهم: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} خبرٌ كَذِبٌ، فهُم كاذبون في هَذِهِ الدعوة.

ثم عَلَى فَرض أن الدعوةَ صحيحة، وأنهم ما سمعوا مِثله مِن قَبل، وَلَم يوجَد في الأولين، فَهَذَا لَا يَقتَضي أَنْ يَكونَ باطلا؛ لأَنَّ الحَقَّ إذَا جَاءَ وَجَبَ قَبولُهُ، سَوَاء كَانَ مَوجودًا في الأولين، أَمْ غَير مَوجود، فهذه الحُجة إذن مُرَكَّبة مِن كَذِبٍ وباطِلٍ:

أمَّا الكَذِبُ: فَإنَّ قَوْلَهم: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} كذب؛ لأنّ مؤمنَهم أَقَامَ عَلَيهم الحُجَّةَ بوجود نظير لمَا جَاءَ به موسَى في قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر: ٣٤].

وأما الباطِلُ: فَعَلَى تَقدير أنها صحيحةٌ قولًا؛ فلأن عدم وجودِ ذَلكَ في الأَوَّلين لَا يقتضي بُطلان وُجودِه في الآخِرينَ؛ فإن اللَّه تعالى فَعَّال لمَا يُريد، مَا دَامَت الآياتُ بَيِّنَات، فليس هناك حُجَّةٌ لهم بأَنَّه لَم يُوجَد في الأولين كذا.

قوله تعالى: {فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} قال: {الْأَوَّلِينَ} وهُم آباء، لأَنَّ الأَبَ يُطلَق عَلَى الأَب المباشِر، وعلى الجَدِّ وَإنْ عَلَا، قَالَ اللَّهُ تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ} [الحج: ٧٨]، وقال يوسف: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: ٣٨]، فيعقوبُ أبوه المباشر، وإسحاقُ جَدُّه، وإبراهيمُ جَدُّ أبيه، سمَّاهم آباء،

<<  <   >  >>