للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا ما غاظَ فِرْعَونَ وهامانَ وجُنودَهما، وهذِهِ آيةٌ عظيمة، فظُهور بَنِي إِسْرَائِيلَ على آل فِرْعَوْنَ في ذلك المجمع العظيم كان له أكبرُ الأثر، فَقَدْ وعَدَهُم موسى عَلَيْهِ السَّلَامُ بأن يَتَحَدَّاهُم يومَ الزِّينة: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} [طه: ٥٩]، و {يَوْمُ الزِّينَةِ} هو يوم العيد، يتزين النَّاس فيه، {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه: ٥٩]، يُجمَعون في رابعة النهار.

نعم، هذا الموعدُ اقترحَهُ موسى؛ لأَنَّهُ واثقٌ عَلَيْهِ الْصَّلَاةُ وَالسَّلامُ بِأَنَّ اللَّهَ سينصُره، وحَصَلَ هذا الاجتماعُ فِي هَذَا اليوم، وصار فِي الحْقِيقَةِ يومَ عيدٍ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، ويومَ شَرٍّ وسُوءٍ لفِرْعَون، وهو نظيرُ ما قاله أَبو جهلٍ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ غزوة بَدْرٍ: "وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَأْتِيَ بَدْرًا -وَكَانَتْ بَدْرٌ سُوقًا مِنْ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ- فَنُقِيمَ بِهَا ثَلَاثًا، فَنُطْعِمَ بِهَا الطَّعَامَ، وَنَنْحَرَ بِهَا الْجُزُرَ، وَنَسْقِيَ بِهَا الْخَمْرَ، وَتَعْزِفَ عَلَيْنَا الْقِيَانُ، وَتَسْمَعَ بِنَا الْعَرَبُ، وَبِمَسِيرِنَا فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا بَعْدَهَا أَبَدًا" (١).

ولقد تحقق ذلك بالفعل، وسَمِعَت العربُ بما حَدَث في غزوة بَدر، ولكن انقلب الأمرُ عليهم، فما غَنَّتِ لهمُ القِيانُ، ولكن غَنَّت عليهم! فقد ظهر عَوَارُهم وجَبَرُوتُهم، حتَّى أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلام والمسلمين بعددهم.

نعود لِقصَّة موسى مع فِرْعَونَ، قَالَ تعالى: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء: ٥٦]، نعم، لقد حصل ما كان يَحْذَرُ فِرْعَونُ وآلُه؛ وجعل اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أئمة.

ومن المُفيد أن نذكُر أنَّ الجَعْل له مَعانٍ متعددةٌ، وكلُّ معانيه تعود إلى التصيير فِي الحَقيقة، لكن التصيير هو تصيير المعدوم موجودًا.

* * *


(١) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (٣/ ٣٣).

<<  <   >  >>