للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهَ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ" (١).

أي: يَكُونُ لَهُ قَبُولٌ فِي الْأَرْضِ، ولقوله نَفَاذٌ، وَهَذَا مِنْ تمكين اللَّهِ تعالى فِي الْأَرْضِ، لكن قوله: {وَنُرِىَ فِرعَونَ} هَذَا مِن جُملة الأمثلة على قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أن فِرْعَون وقومَه كانوا يَحْذَرون مِنْ بَنِي إسرائيل، فأراهم اللَّهُ تعالى ما كانوا يحذرون.

وهنا إشكال، وهو: كيف أراهم اللَّهُ تعالى مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ مَعَ أَنَّهُمْ هَلَكُوا؟

والجواب: أنهم أدركوا ذلك في آخِر لحَظَاتِ حياتهم، وقَبْلَ خُروج الروح، وذلك ظاهِرٌ في قولِ فِرْعَونَ عندما أدركه الغَرَقُ: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: ٩٠].

وبعضهم قال فِي قَوْلِه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: ٦]: ليس المرادُ الهلاكَ، بل المرادُ بما كَانُوا يَحْذَرُونَ مُنازعة آل فِرْعَون؛ فإن بَنِي إِسْرَائِيلَ لما بُعِث موسى اسْتَقْوَوْا، وقصة السَّحَرَةِ واضحةٌ فيها، لما اجتمعوا واجتمع النَّاس في يومِ عيدِهم، وفي الضحى في رَابِعَةِ النهار، وصارت الهزيمة على آلِ فِرْعَوْنَ، هزيمة حِسِّية ومعنوية: هُزِمُوا حِسًّا بأنَّ عَصَا موسى -صلى اللَّه عليه وسلم- جَعَلَتْ تَلْقَفُ ما يأفِكُون، وهُزموا معنًى بأَنَّ السحرةَ أنفُسَهُم آمنوا، وصَرَّحُوا للملأ بأنَّ فِرْعَونَ هو الذي أكْرَهَهُم على السِّحْر، وبَيَّنوا أن الرب الحقيقيَّ هو رَبُّ موسى وهارون سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فهذه هزيمةٌ معنوية، بالإضافة إلى الهزيمة الحِسِّيَّة.


(١) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع جبريل، ونداء اللَّه الملائكة، رقم (٧٠٤٧)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب اللَّه عبدًا حببه لعباده، رقم (٢٦٣٧).

<<  <   >  >>