فالنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يستغفر ربه، مَعَ أَنَّ اللَّهَ قد غَفَرَ له ما تقدَّم مِن ذَنْبِه، وما تأخر، ونحن مأمورون بأن نُصَلِّيَ عليه، واللَّهُ تعالى يَقُولُ:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}[الأحزاب: ٥٦]، فلا يلزم مِن الوُصول إلى الكمال ألَّا يسعى الإِنْسَانُ بأسبابِه.
ولو قال قائلٌ: كيف تَحِلُّ لنا الغنائم ونحنُ أفضلُ الأُمَمِ؟ لماذا لا يُوكَلُ الْأَمْرُ إِلَى مَناقِبنا وفضائلنا؟
فنقول له: هذا مِن نِعْمَة اللَّه علينا، لا لأن نَصِلَ إلى درجة الكمال، ولكنه أَحَلَّ هَذِهِ المَغَانِم حتَّى نستعين بها.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: تمكينُ الْإِنْسَانِ فِي الْأَرْضِ مِنْ نِعْمَةِ اللَّه عليه؛ لقوله:{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ}[القصص: ٦]، لأن هَذَا مِن جُملة ما أنعم به على بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ أَنْ مَكَّنَهُم فِي الْأَرْضِ، فكونُ الإِنْسَان يُمَكَّن له فِي الْأَرْضِ، سواء كان هذا التمكين عَنْ طَرِيقِ سُلطة السُّلطان، أَوْ عَنْ طَرِيقِ سُلطة القُرْآن.
والتَّمكين فِي الْأَرْضِ ليس معناه أن الإِنْسَان يَحكم النَاس؛ ليكون سلطانًا عليهم، لا، بل قد يكون التَّمكين للإنسان فِي الْأَرْضِ بتمكين قوله؛ حتَّى يكون له سُلطان على المُؤمِنينَ.
ولنأخُذْ شيخ الإِسْلام ابن تَيمِيَّة مثلًا، فَقَدْ مَكَّنَ اللَّهُ لَهُ فِي الْأَرْضِ أعظمَ مِن تمكين الوُلاة أنفسهم، فتمكينُ الوُلاة قد انقضى بِمَوْتِهِم، أما ابن تَيمِيَّة رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَدْ مَكَّن اللَّه له بأنْ جَعَلَ قولَهُ مُعْتبرًا بَيْنَ النَّاس، وما زالت أقوالُه باقيةً حتَّى الآن.
فقَوْلُ مَن قام بالحقِّ لَهُ سُلْطَانٌ وقُوة، وهذا أيضًا جاء به الحديث، بأن اللَّهَ تعالى كما أخبر رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا