للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انظروا هذا التَّقرير هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تعالى وَرَّث بَنِي إِسْرَائِيلَ أَرْضَ بَنِي فِرْعَونَ وأموالَهم، قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: ٥٧ - ٥٩].

فلو ادَّعى أحدُهم أَنَّ اللَّهَ أخرجَ آلَ فِرْعَوْنَ مِنْ أَرْضِهِمْ، وجعلها مَغْنَمًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بقوله: {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}، وهذا مُعارِضٌ لحديث الرَّسُول، فكيف نُجيب عنه؟

نقول: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يأخذوها بَعْدَ قِتَالٍ، فالغنيمةُ معروفة، إنما أُخِذَتْ عَنْ طَرِيقِ قتال الأعداء، ولكن هَؤُلَاءِ مَا وَرِثُوها بالقتال، بل بِقُوَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي لَيْسَ لَهُمْ إِلَيْهَا سَبِيل، فالأراضي والمساكن والكُنوز الَّتِي أَخَذَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَا تُعَدُّ مِنَ الْغَنَائِمِ، بَلْ هِيَ مِن وَهْب اللَّهِ لَهُمْ بلا قتال.

وَعَلَى هَذَا فَلَا تَعَارُضَ بين الآيةِ وَبَيْنَ قولِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلي".

وَلَكِن هَذَا لَا يَنْفِي أَنَّ الغنائم كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي المَاضِي، لَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحِلَّهَا للمقاتلين، بَلْ كَانَت تَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ تحرقها، وَإِنْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْغُلُولِ فَلَا تنزل النار.

والحِكْمَة مِن إحراق الغنائم هي قطعُ التَّعَلُّقِ بِهَا نهائيًّا؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ لتَدَاوَلَها النَّاسُ بالبَيْع والشِّراء والانْتِفاع، وصار مِلكًا لهم.

وَمِنَ المَعْرُوفِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَمُدُّ الأُمة بأشياءَ تستعين بِهَا فِي حَيَاتِهَا؛ فهو يَمُدُّ الإِنْسَان عامَّة بأشياءَ مُعَيَّنة لِأَجْلِ أَنْ يَصِلَ إِلَى الفَضِيلَة.

<<  <   >  >>