للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان: ٥٣]، وقال تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: ١٩]. فسمَّى اللَّهُ تعالى الأنَّهارَ والبحارَ المالحةَ بحارًا.

وقوله: [البَحْرُ المَالِحُ] هَذَا بَيَان للواقِع الَّذي وُجِدَ فيه فرعَونُ وجنودُه؛ لأنَّهم وُجِدُوا في بَحْر القُلْزُم، وَهُوَ البَحر الأحمر الَّذي بَينَ جَدَّة ومصر، هَذَا الَّذي غَرَق فيه فِرْعَونُ وقومُه.

انظر إلى الحكمَة في أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أغرقهم إغراقًا في اليَمِّ؛ لأنَّ فرعَونَ كَانَ يفتخر بأنهاره ويقول لقومه: {قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: ٥١ - ٥٢]، فأخرجه اللَّهُ مِن مُلك مصر، وأهلَكَه بمَا كَانَ يَفْخَرُ به منَ الأنَّهار.

قوله تعالى: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}: {فَانْظُرْ} الخطاب لكلِّ مَن يَصِحُّ تَوجيه الخِطَاب إلَيه، أي: فانظر يَا مَن تسمع هَذَا الخطَابَ ويوجَّه إليك.

والمراد بالنَّظر هنا نظرُ الاعتبار، وهو النَّظر بالقَلب؛ لأن العاقبة لا تُنْظَر بالعَين، اللَّهمَّ إلَّا إذَا سار الإنسَان في آثَارِهم، فقد يَنظر بِعَيْنه وبِقَلْبه {كَيْفَ} هنا للاستفهام، وَالمرَاد به التعظيم، يعني: عِظَم العاقبة، لَكن لَا تعظيمَ الرِّفعة، بل تعظيم العقوبة، فهو تفخيمٌ لها، وتعظيمٌ للعاقِبة الوَخِيمة السيِّئة للغاية، وَهُوَ اسم استفهام مَبنيٌّ عَلَى الفتح متعلق بخبر مقدَّم وجوبًا لـ {كَانَ}.

قوله تعالى: {عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}: {عَاقِبَةُ} بمعنى عُقبى، وَهيَ عَلَى صيغَة اسم الفاعل، والمراد العُقبى، و {الظَّالِمِينَ} هُم الَّذينَ نقصوا حُقوق أنفسهم، وحُقوق ربّهم؛ لأنَّ الظُّلم في الأَصل النقص، قَالَ اللَّه تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: ٣٣]، أي: لَم تَنقص.

<<  <   >  >>