للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {الظَّالِمِينَ} المراد بالظَّالمِين هنا الكافِرُون؛ لأنَّه يُشير إلَى مَا جَرَى لفِرْعَون وقومِه، وهم ظالمون ظُلْمَ كُفر؛ لأن الظُّلم يَنقَسم إلَى قسمَين: ظُلم كُفر، وظُلم معصية، وهو دونَ الكفر.

ففي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٧٩]، المراد هنا ظُلم المعصية، وفي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٥٤]، المرادُ ظُلم الكفر، وفي قوله: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: ٥٧]، شامل للأمرين: الكفر وَمَا دونَه.

قوله تعالى: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} في مَصرهم إلَى الهَلَاك بأَتْفَهِ الأُمور، وَهُوَ المَاء، وَهَذه مِن حِكمة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ أَنْ يَأخُذَ كُلَّ إنسَانٍ بِذَنْبِه، كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: ٤٠]، أي: بمَا يَقتَضيه ذَنْبُه منَ العقوبَة.

وكذلك عادٌ استكبروا في الأَرض وتحَدَّوْا، {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: ١٥]، فَرَدَّ اللَّه عَلَيهم: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: ١٥]؛ لأن الخالِق بلا ريبٍ أَقوَى مِنَ المَخلوق، وقد أخذوا بأَلْطَف الأَشْياء، وهي الرِّيح أَرسَلَ اللَّهُ عَلَيهم الرِّيح، قَالَ تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: ٧]، كل أيام الدَّهر، وَلَو شَاءَ اللَّه لَأَرْسَلَها عليهم بِلَيْلَةٍ واحدةٍ، ودَمَّرَتْهُم تدميرًا، لكن لِحكْمَةٍ أرادها أَنْ يعَذَّبوا أصلًا لأخذتهم جميعًا، وابتدأت بالأطراف، ثم يصعد إلَى أَعلَى السماء، ثُمَّ يَنزل عَلَى رَأسه، {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: ٧]، وهذا أشد عقوبة؛ لأَنَّهَا لَو جاءتهم مَرَّة وَاحدَة ودَمَّرَتْهُم، ما عُذِّبُوا وماتوا وهلكوا، وانتهى الأمر، لَكن هَذَا أشدُّ.

<<  <   >  >>