للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا نظرنا فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} فهنا وحيٌ، ولكن وحيُ النُّبُوَّةِ، أَوِ الرِّسالَة خيرٌ منه؛ لأن الذي أُوحي إليها ليس بِشَرْعٍ، بل هو أمرٌ بإرضاعِ موسى، إلى آخِره.

ثم إِنَّ الصحيحَ أنَّه لم تُبعث واحدةٌ مِن النساء لتكون نبيًّا، قَالَ تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [يوسف: ١٠٩].

إذن: يكون الوحيُ هنا إمَّا إلهامًا، وإما مَنامًا، فالإلهام لَيْسَ بِشَيْءٍ غريب أَنْ تُلهَم امرأةٌ مَا يَكُونُ فِي مصلحتها، فاللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَلْهَمَ النحلَ كما يُلْهِم بَنِي آدَمَ مَا فِيهِ مصلحتُه {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} [النحل: ٦٨].

وَكذَا قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: {وَأَوْحَيْنَا} وحيَ إلهامٍ، أو منامٍ. فقولُه: أو هنا للتنويع، يعني لبيان الْخِلَافِ فِي هَذِهِ المَسْأَلةِ، فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: إِنَّ الوحيَ وحيُ إلهامٍ. وبعضهم يقول: إِنَّ الوحيَ وحيُ منام.

والمهم: أَنَّهُ لَيْسَ وحيَ رسالةٍ، أو نُبُوَّة.

وكنا قَدْ تَكَلَّمْنَا عَنِ الْوَحْي، وَقُلْنَا إِنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أنواع:

الْأَوَّلُ: الوحي بالشرع، ويكون إطلاقًا، مِثل وحي الأنبياء، قَالَ تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [النساء: ١٦٣].

الثَّاني: الوحيُ بالإلهام، مِثْلُ قَوْلِهِ تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: ٦٨].

الثالث: الوحي بالمنام، كَمَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ".

<<  <   >  >>