للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: ٧] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الوحيُ هُنَا مِنَ النوعين الثَّانِي وَالثَّالِثِ، أي الوحي بالإلهام، أو الوحي بالمنام.

وقوله تعالى: {إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص: ٧] يعني: التي ولَدَتْه، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأُمِّ، كما قَالَ تعالى: {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} [المجادلة: ٢].

وَأَمَّا الْأُمُّ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فلا تُذْكَرُ مُطلقة، وإنَّما تُذْكَرُ مُقَيَّدَةً، وَكَذَا قَالَ تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣]، ثُمَّ قَالَ تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣]، فالأُم مِنَ الرَّضَاعَةِ لَا تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الأُم، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُقيَّدةً.

وإنَّما قررتُ هذا؛ لِيَتبَيَّن أن قَوْلَهُ تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣]، المُرَادُ بِهَا الْأُمُّ الَّتِي وَلدت، وليس الْأُمَّ الَّتِي تُرْضِع.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}، وهو المولود المذكور، ولم يَشْعُر بولادته غيرُ أُخْتِه].

ونحن هنا نسأل: أين المولودُ المذكور؟ المولودُ المَذْكُورُ هُوَ موسى؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ أُمٍّ إلَّا ولها ولدٌ، فقوله: [ولم يَشْعُر بولادته غيرُ أُخْتِه]. هَذَا مِنَ الْأَقْوَالِ الإسرائيلية الَّتِي لَا تُصَدَّقُ، ولا تُكَذَّب، فَنَحْنُ لَا نَملِك دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ إِلَّا أُمُّه.

وقوله تعالى: {أَنْ أَرْضِعِيهِ}: {أَنْ} هَذِهِ تَفْسِيرِيَّة، وضابِط التَفْسِيِريَّة: الَّتِي تَقَعُ بَعْدَ مَا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُروفِه، فكل (أَنْ) إِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ مَا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُروفه، فهي تَفْسِيِرِيَّة. كَمَا فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} [المؤمنون: ٢٧].

<<  <   >  >>