للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَولهُ تعالى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} هنا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هناك خَوْفًا مِن فِرْعَونَ وآله، الَّذِينَ كَانُوا يبحثون عن الأولاد لتقْتُلُوهم، وَلِهَذَا قَالَ: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ}، فَسَّرَهُ بقوله: البَحر. ثُمَّ فَسَّرَ البَحر بقوله: أي النِّيل. فاليمُّ هو البحر، كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [القصص: ٤٠]، واليمُّ فِي هَذِهِ الآيةِ هُوَ البَحر، ولكن اليَمُّ المُرَادُ فِي الآيَةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا هو النِّيل، وسُمِّيَ بَحْرًا -وَإِنْ كَانَ نهرًا- لِكَثْرَتِه واتِّسَاعِه.

قَوْلُهُ تعالى: {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي}، قوله: {فَإِذَا خِفْتِ} هَذَا فِعْلُ الشرط، وجوابُ الشرط: {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ]، وَهُوَ مِنَ الغرائب، أَنْ يُلْقَى مَن يُخَافُ عَلَيْهِ فِيمَا فِيهِ هَلَاكُهُ؛ لأن إلقاءه فِي الْبَحْرِ معناه استعجالُ الهلاكِ له؛ فمِن المعروف أَنَّهُ يَمُوتُ إِذَا ألقِيَ فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ أَنْ يُلْقَى مُوسَى فِي مَكَانِ الخوف، فلا يموت، ثم يعيش بين أحضان فِرْعَون، الَّذِي كَانَ يتتبع أَوْلَادَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فيُقَتِّل أبناءَهم، ويستحيي نساءَهم، وَهَذَا مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ اللَّهَ إِذَا حَمَى أحدًا، فإن الأَسْباب المُؤديَةَ إِلَى الهَلَاكِ لَا تُؤَثِّرُ، وَلَا يَكُونُ لَهَا تَأْثِيرٌ، وأَمَّا قُدْرَةُ اللَّهِ فَهِيَ فوق الأَسْباب، فالنار مُحْرِقة بلا شكٍّ، ولكن صَارَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بَرْدًا وَسَلَامًا.

قَوْلُهُ تعالى: {وَلَا تَخَافِي}، قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: {تَخَافِي} غَرقَهُ. وَهُوَ مَفْعُولٌ محذوفٌ مُقَدَّر للفِعل {تَخَافِي}.

قَولهُ تعالى: {وَلَا تَحْزَنِي} قال: [لِفِرَاقِه]؛ لأن الحزن يَكُونُ فِي المَاضِي، وَالْخَوْفَ فِي المُسْتَقْبِلِ، فما أَهَمَّ الإِنْسَانَ إِذَا كَانَ مستقبلًا، فهو خوفٌ، وَإِنْ كَانَ ماضيًا فهو حُزن، فهنا قَالَ اللَّهُ لَهَا: {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي}، فَإِنَّ الْأَمْرَ سيكون عَلَى خِلَافِ مَا

<<  <   >  >>