للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَغَيْرِهِ، وَمنَ النَّصَارَي قَدِمُوا مِنَ الحْبَشَةِ، وَمنَ الشَّامِ].

وكذلك مِن غَيْرِ الشام، أسلمَ مِن اليهود مِثل عبد اللَّهِ بنِ سلام، واشتُهر عَبدُ اللَّه بنُ سَلَام بالإِسْلام وَهُوَ مِنَ اليهود؛ لأنَّه كان حَبْرًا مِن أحبار اليهود، وكان كَمَا قَالَ اليهود عَنْهُ في حَضرة النَّبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالُوا: أَعْلَمُنَا، وَابْنُ أَعْلَمِنَا، وَأَخْيَرُنَا، وَابْنُ أَخْيَرِنَا (١).

قالوا ذلك مُعترفين له بالفضل، والعِلم، والسِّيادَة، ولهذا كانوا يضربون به المثَل؛ لأنَّ مَن يَكُون مِثله سَيِّدًا في قومِه قد تَحْمِلُه السِّيادَةُ عَلَى أَنْ يُنافِق، وقد يحمله أَيْضًا حُبُّ الرِّئاسَة على عدم الاتباع لِغَيْرِه؛ لأَنَّه إذَا تَبعَ غيرَه صار مرءوسًا لا رئيسًا، لكنه -رضي اللَّه عنه- تواضعَ للحَقِّ، فكان مؤمنًا بالرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

وقصة إيمانه معروفة، فإن الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- خَبَّأه، ودَعَا اليهود وسألهم عنه، فأَثْنَوْا عليه، وسألهم عن رسالة الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكَذَّبُوا الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ لَهم: "أفرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ" قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: شَرُّنَا، وَابْنُ شَرِّنَا، وَوَقَعُوا فِيهِ. فما خرجوا إلا وهُم يُثْنُون عَلَيْه شَرًّا؛ لأنَّهُ أسلَم.

قول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [كَذَلِكَ نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّصَارَى قَدِمُوا مِنَ الحَبَشَةِ]، قَالَ عَطَاءٌ: "كَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلًا: أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ مِن بني الحارث بْنِ كَعْبٍ، وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِنَ الحبَشة، وثمانية رُومِيُّون مِنْ أَهْلِ الشَّامِ" (٢).


(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم -صلوات اللَّه عليه- وذريته، رقم (٣٣٢٩).
(٢) تفسير البغوي (٢/ ٧٥).

<<  <   >  >>