[البقرة: ٨٩]، أي: يستنصرون عليهم بهذا النَّبيّ، {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}[البقرة: ٨٩].
فالحاصِل في هَذِهِ الآيَة أَنَّ وجه تَعَلُّقِها بما قَبلها مِن وَجْهَين:
الوجه الأول: تأنيب الجاهِليّين على الكُفر بمحمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، مَعَ أَنَّ أهلَ الكتاب -وهُم على دِينٍ- انتقلوا مِن دِينهم إلى دِينه، فكنتم أَوْلى باتباعه.
الوجه الثَّاني: إقامةُ دَليلٍ عَلَى صِحَّة مَا جَاءَ به الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ لأَنَّ هَؤلَاء الذين عندهم عِلم مِن الكتَابِ مَا انتقلوا إلَّا عَن عِلم بأنه حق، والمناسبة واضحة جدًّا بَيْنَ هذه، وبين النُّصوص التي قَبلها، ولا ريب أَيْضًا أَنَّ في هَذِهِ الآيَة ثَنَاءً على الذين آمنوا بالرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِن الَّذينَ أُوتُوا الكتابَ، ولهذا عَطَفَ بـ {هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} ولم يستكبروا عنه، بالرغم مِن وجود كتابهم معهم.
فالمشركون لم يَأْتهِمْ كتابٌ مِن قَبْلُ، ولا نبيٌّ، قَالَ تعالى:{مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ}[القصص: ٤٦]، لَكن هَذَا مِن باب الجِنس، ومعناه: أنَّنا لم نتركْهُم هكذا، بَل إِنَّ القول وَصَل إلَيْهِم كما وَصَلَ إلَى غَيرِهِم، فإنَّ اللَّهَ مَا زال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُنْزِلُ الكُتُبَ على مَن سَبَق.
قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} أَيْضًا]، ويعني بقوله:[أَيْضًا] كما آمنوا بكُتُبهم، و (أَيْضًا) مِن الأسماء الملازمة للنَّصب على المصدرية؛ لأن فِعْلَها: آضَ، يَئِيضُ، أَيْضًا، مِثل: باعَ، يَبيعُ، بَيْعًا؛ لأنَّ معناها: رَجَعَ.