ونرى أَنَّهَم قَالوا:{مِنْ رَبِّنَا}، ولم يقولوا: مِن اللَّه؛ لأن الرَّبَّ هُوَ الَّذي له التصرُّف المطلَق، فهو يتصرف بعِبَادِه شَرْعًا وقَدَرًا، فكأنهم يقولون: إنَّ رَبَّنَا لن يُخْلِيَنا مِن أَنْ يُنَزِّل القُرآن، ولهُ الحُكم والتصرف المطلَق؛ كونًا وشرعًا.
وقولهم:{مِنْ رَبِّنَا} هذا إشَارَة إلَى أنهم -رضي اللَّه عنهم- يفتخرون بانتسابهم إلَى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وقوله:{إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا} الجُملة مِن حيثُ المعنى تَعليليَّة لمَا قَبلَهَا، يعني: آمنا به، لا لأَنَّهُ أَعْجَبَنا حُسنُه وبيانُه وبلاغتُه، ولكنَّا آمَنَّا به لأنّه {الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا}.
فَإذَا قَالَ قَائل: إذَا كَانَتِ الجُملة تعليلية، فلماذا لا تُفتح الهمزة، فيُقال:{إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا}، لأَنَّ الجُملة التَّعليلِيَّة على تقدير (اللام)، و (اللامُ) إذا اتصلت بـ (إِنَّ) وَجَبَ فتحُ همزتها، قَالَ اللَّهُ تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}[المؤمنون: ٦٠]، وَلَم يَقُل:(إنهم إلى ربهم)؟
قلنا: الجُملة التَّعليلِيَّة قد تكون تعليليَّة مِن حيثُ المعنى فقط، وَقَد تَكون تعليلية مِن حيث اللفظِ مع المعنى؛ فإن لُوحِظ مَعَهَا اللفظُ مع المعنى، فإنها الهمزة تُفتح؛ لأنَّها عَلَى تَقدير اللام، وإِنْ لُوحظ المعنى فقط؛ فإنها تُكسَرُ الهمزة، وهنا لوحظ المعنى فقط.