للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن إفادةُ التَّعلِيل مِن السياق.

وأمَّا التَّعليلِيَّة اللفظية فَإنَّهَا تَكون مرتبطةً بما قَبْلَها، قال ابن مالك (١):

فَاكْسِرْ فِي الِابْتِدَا وَفِي بَدْءِ صِلَهْ ... وَحَيْثُ إِنَّ لِيَمِين مُكْمِلَهْ

فَهَذَا هُوَ الفَرق بين الجملة التَّعليلِيَّة التي قُصِد بها اللفظ والمعنى، والتي قُصِد بها المعنى فقط.

قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} أي مِن قَبْل القُرْآن.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [مُوَحِّدِينَ]، وَلَو أَنَّه فسَّر الإِسْلام بظاهِرِهِ لَكَان أَولى؛ لأن الإِسْلام معناه الاستسلام والانقِياد، وأصلُه مِن عَدَمِ المعارضة والمُحَارَبَة، ولهذا يُقالُ: السِّلْم والإِسْلام، معناه عدمُ المعارضة والمحاربة، فكلمة {مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} أي: مُنْقَادِين مُذْعِنِين للحَقِّ.

وقولهم: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} لَيسَ المرَادُ بذلك الفَخْرَ والإعجابَ بالعَمَل قطعًا؛ لأن السياق سياقُ ثَناء، وَلَكنَّ المرَادَ بذلك الثَّناءُ عَلَى اللَّه بما كانوا عَلَيه في الحالَين: في الحالِ السَّابِقة، وفي الحال الثَّانية، في الحَال الثَّانية {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ}، والحال الأُولى: كانوا {مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ}: مُنْقَادِين مُتَّبِعِين للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- الَّذي جَاءَ إلَيْهِم.

وقوله: {مُسْلِمِينَ} خَبْرُ {كُنَّا}، ولو تَقَدَّم عليه قوله {مِنْ قَبْلِهِ}؛ لأَنَّ الخَبَرَ هو ما تَحْصُلُ به الْفَائِدَة، سواءٌ تَقَدَّمَ، أو تَأَخَّرَ.


(١) ألفية ابن مالك (ص ٢١).

<<  <   >  >>