للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ ابنُ مَسعود: "وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ، تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ" (١).

وهذا ثَنَاء عَلَى نَفسه لَكن لمصلحةٍ، والعُلماء كثيرًا إذا كَتبوا كتَابًا يُثنون عَلَيه بمَا يَقتَضي هَذَا الكتَاب مِن أوصاف الثناء، وَمَعلُوم أَنَّ الثَّنَاء عَلَى الكتَاب ثَنَاءٌ عَلَى مُصَنِّفِه، فلو أنك أثنيتَ عَلَى هَذَا البناء فَأَنتَ في الواقع قد أثنيتَ على الباني، فَهَذه المَسأَلَة يَجوز للإنسَان أَنْ يُثْنِيَ عَلَى نَفسه بصفَات الحَمد بشرطين:

الشرط الأول: ألَّا يُريدَ بذَلكَ الافْتِخَارَ عَلَى غَيره، ووجهُه ظاهِر؛ لأَنَّه إذَا قَصَدَ بذَلكَ الافْتِخَارَ، والعُلُوَّ عَلَى النَّاس، فَهَذَا قصدٌ مُحَرَّم، وَلهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ" (٢).

والشرط الثَّاني: أَن تَكونَ في ذَلكَ مَصلَحَةٌ؛ لأَنَّه إذَا لَم تَكن فيه مصلحة، كَانَ لَغْوًا مِنَ القول؛ لأَنَّ الإنسَانَ يَمْدَحُ نَفسَه دُونَ مصلحة، إلَّا أَنَّه لَولَا أَنَّه يريد أَنْ يُبْرِزَ صفاتِهِ لِيَفْتَخِرَ بهَا عَلَى غَيرِه، مَا فَعَلَ ذَلكَ، حَتَّى لَو قَالَ: أَنَّا لَا أريد الفَخْرَ.

فالأصلُ أنَّ هَذَا لَغْوٌ مِنَ القَولِ؛ إذ لَا فَائدَةَ منه، والرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ" (٣).


(١) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، رقم (٤٧١٦)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد اللَّه بن مسعود وأمه -رضي اللَّه عنهما-، رقم (٢٤٦٣).
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- على جميع الخلائق، رقم (٢٢٧٨).
(٣) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، رقم (٦٠١٨)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، رقم (٤٧).

<<  <   >  >>