للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ" (١).

إضافة لهذه الآية ذَكَر الذين {يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ}، فقال: "ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ، فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا، ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الكِتَابِ، الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا، ثُمَّ آمَنَ بالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَالعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ، وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ" (٢).

قَوله تعالى: {بِمَا صَبَرُوا} الباء للسَّببية، و (ما) مَصْدَرِيَّة، وعلامة المَصْدَرِيَّة أنها تُحَوِّل ما بَعْدَها إلى مَصْدَر، فتكون -كَمَا قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ- لِصبْرِهِم.

وَلَا يَصحُّ أَنْ تَكونَ (ما) هنا موصولةً، فلو كانت موصولَةً لَكَانَتْ عَلَى تَقدير الضَّمير: بالذي صَبَرُوه، وَهَذَا لَا يستقيم.

فإذن: يَتَعَيَّنُ هنا كونُها مَصْدَرِيَّة، أي: بِصَبْرِهِم، وَهُوَ أَحَدُ مَحَامِل (ما) العَشَرَة، نَذْكُرُها هنا للفائدة، جُمِعَتْ في بَيْتٍ واحدٍ مِنَ الشِّعْر:

سَتَفْهَمُ شَرْطَ الوَصْلِ فَاعْجَبْ لِنكْرِهَا ... بِكَفٍّ وَنَفْيٍ زِيدَ تَعْظِيمُ مَصْدَرِ

وقوله: {بِمَا صَبَرُوا} أي: بِصَبْرِهم على العَمَل بهما، وهذا الصَّبْر عَلَى العَمَل بهما هو مِن بَاب الصَّبْر على طاعة اللَّه، ومن باب الصَّبْر عن معصية اللَّه، ومن باب الصبر عَلَى أقدار اللَّه؛ فهُم صَبروا عَلَى طَاعَة اللَّه؛ فإن الشرع فيه أوامرُ شاقَّةٌ على


(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الوحي، باب بدء الوحي، رقم (٧)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هرقل، رقم (١٧٧٣).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فضل من أسلم من أهل الكتابين، رقم (٣٠١١)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته، رقم (١٥٤).

<<  <   >  >>