للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [يَتَصَدَّقُونَ]، ويُهدون أيضًا، وليس لازمًا أَنْ يتصدَّقُوا فقط؛ لأن الهَدِيَّة قَد تَكون محمودةً إذَا كَانَ الغرضُ منها جَلْبَ المَوَدَّةِ، قال رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَهَادُوا تَحَابُّوا" (١).

الشاهد أَنَّ قَولَه: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} بمعنى: أعطيناهم، فالرِّزق بمعنى العَطاء، ومنه قَولُه تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: ٨]، أي: أَعْطُوهم، فالرزق بمَعنَى العَطَاء.

قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ}: (مِنْ) هنا لِبَيانِ الجِنْسِ؛ لأنَّ إنفاقَ المالِ كُلِّهِ مِن الأُمُور المحمودة، فَقَدْ حَثَّ النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه-: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ " قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ " قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا (٢).

فإذا جعلنا (مِن) لِبَيَانِ الجِنس، فيَشْمَلُ بَذْلَ المال كُلِّه، أو بَعْضِه، يعني: قد يَكونُ مِنَ الخير بَذَلَهُ كُلَّه.

وقد يَكونُ مِنَ الخِير بَذْلُ بَعْضِه حسَب الحال الذي أُنْفِقَ فيها.

وقوله تعالى: {يُنْفِقُونَ} الإنفاق بمعنى البَذْلِ، لا بمعنى الصَّدَقة، لكن


(١) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (١/ ٢٠٨، رقم ٥٩٤)، والبيهقي (٦/ ١٦٩، رقم ١١٧٢٦).
(٢) أخرجه أبو داود: كتاب الزكاة، باب في الرخصة في ذلك، رقم (١٦٧٨)، والترمذي: كتاب المناقب، بعد باب مناقب أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- واسمه عبد اللَّه بن عثمان ولقبه عتيق، رقم (٣٦٧٥)، وقال: حديث حسن صحيح.

<<  <   >  >>