للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في "ضَحْضَاحٍ (١) مِنْ نَارٍ عَلَيْهِ نَعْلَانِ يَغلي مِنْهُما دِمَاغُهُ" (٢)، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ أَشَدُّ أَهلِ النَّار عذابًا، وهو أهونُهم.

قال النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ".

يعني: شَفَعْتُ له، أَو أَنَّه أَيْضًا عَمِلَ مَا عَمِلَ في حمَايَة الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم-.

هذا العَمُّ حَرَصَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- غايةَ الحِرص عَلَى أَنْ يُؤمنَ، حَتَّى إنَّه في سِيَاق الموت قال لَهُ: "أَيْ عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ" (٣). فكَانَ آخِرُ مَا قَالَ: إنَّه عَلَى مِلَّة عَبد المطَّلب، وإنه لن يدع طريقة الأشياخِ الكبار أَهْلِ الجاهليَّة.

وَكَانَ عندَه رَجُلَان مِنَ المشركينَ يُلَقِّنَانِه: أَتَرغَب عَن مِلَّة عَبد المطَّلب؟ فكان أنْ خُتِمَ له بخاتمة الشَّقاء، فلم تنفعه هَذِهِ المحاولة مِن الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونَدِمَ النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى هَذَا الأمر، وقال: "أمَا وَاللَّهِ لأَسْتغفِرَن لك مَا لمْ أُنْهَ عَنْكَ" (٤). فَنُهِيَ عَنهُ، وَقيلَ لَه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: ١١٣].

أما بالنِّسبة لنَدَمِه عَلَى عَدَم إيمانه فَسَلَّاه اللَّهُ تعالى بهَذَا الأَمر: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} هدايتَه.


(١) الضَّحْضَاح فِي الأَصْل: ما رَقَّ مِنَ المَاءِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَا يبلُغ الكَعْبين، فاستَعارَه لِلنَّارِ. النهاية: ضحضح.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب، رقم (٣٨٨٣)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي طالب، رقم (٢٠٩).
(٣) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب قصة أبي طالب، رقم (٣٨٨٤)، ومسلم كتاب الإيمان، باب أول الإيمان قول لا إله إلا اللَّه، رقم (٢٤).
(٤) تقدم تخريجه، وهو بقية الحديث السابق.

<<  <   >  >>