قوله تعالى: {إِنَكَ} أي: يَا محَمَّد، فالنداء له ولغير الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مِن بَابِ أَوْلَى، فَإذَا كَانَ الرَّسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَهُوَ أَشرَفُ الخَلق عند اللَّه، وأعظمُهم جاهًا، لَا يَستَطيع أَنْ يَهْدِيَ أَحَدًا، فكيف يستطيع غيرُه؟
وقوله تعالى: {لَا تَهْدِي} المُراد بالهداية هنا هدايةُ التَّوْفِيقِ، بمعنى: لَا تَضَعوا الهدايةَ في قُلوب النَّاس، وليست هدايةَ الدَّلَالَة والإرشاد؛ فإنَّ هِداية الدَّلَالة والارشاد ثابتةٌ للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢]، ولكن هداية التوفيق -وهي إلقاءُ الهُدى في القلوب- إنَّما هِيَ للَّه عَزَّ وَجَلَّ وحدَه.
وَقَولُه تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ قَدَّرَهُ بقوله: [هِدَايَتَهُ]. والصَّواب: مَنْ أَحْبَبْتَهُ.
وقد عَدَل المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى تَقدير: [أَحْبَبْتَ هِدَايَتَهُ]؛ لأن الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لَا يُمكن أَنْ يُحِبَّ أَبَا طَالبٍ وَهُوَ كَافر؛ فإن المؤمنَ لَا يُحِبُّ الكافرين.
ولكننا نقول: الحُبُّ الطَّبِيعِيُّ لَا يُنَافي الإِيمَان، فالإِنْسَان يُحب -مثلًا- قريبَه، وَلَو كَانَ كَافرًا، لكنَّها محبةٌ طبيعية، كما تُحِبُّ الأُم ولَدَها.
فالمحبَّة الدينيَّة لَا تَجوز بَينَ المؤمن وَالكَافر، قَالَ تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ} [المجادلة: ٢٢].
أَيْضًا المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يقول: [مَنْ أَحْبَبْتَ هِدَايَتَهُ]، ولو أنَّنا حَمَلنَاهَا عَلَى مَا قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ لَكَانَت هَذِهِ تَعُمُّ كُلَّ النَّاس؛ لأن الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحِبُّ أَنْ يَهديَ كُلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute