للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّاس، وليس أَبَا طَالب فقط، لكن تقدير (مَنْ أَحْبَبْتَهُ) يَخْتَصُّ بأبي طالب، أَوْ غَيرِه مِن أقاربه.

أَيْضًا لَوْ أَنَّنا قلنا -كَمَا قَالَ المفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ- لَكَانَ في الآيَة إضمارٌ، وهو إضمارُ الهداية؛ لأَنَّ الأَصلَ في ضَمير الصِّلَة أَنْ يَعُود إلَى الصلة نفسها، و {مَنْ} اسمٌ موصولٌ يَعُود عَلَى أَبي طَالب، وعائدُ الصِّلة يَعُود عَلَى الصِّلة نفسها، وبهذا تَبَيَّنَ أَنَّ الراجح (مَنْ أَحْبَبْتَهُ) مِن وُجُوهٍ ثلاثة: وجهٍ معنويٍّ، ووجهين لَفْظِيَّين.

الوجهُ المعنويُّ: أَنَّ الآيَةَ نَزَلَت في أَبي طَالب، ولو قلنا: (مَنْ أَحْبَبْتَ هِدَايَتَهُ) لكانت عامَّة.

والوجهان اللفظيان: الأول: أَنَّنَا إذَا قَدَّرْنا (هِدَايَتَهُ) لَزِمَ أَنْ يَكونَ في الآيَة شَيْءٌ محذوفٌ، وَالأَصلُ عَدَمُ الحذفِ.

والثَّاني: أَنَّ عائد الصِّلة يَعُود إلَى الموصول، فَإذَا عَادَ إلَى {مَنْ} في قَوْلِهِ: {مَنْ أَحْبَبْتَ} صار المراد: مَن أحببتَهُ هو.

وَأَمَّا مَا لاحَظَهُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ مِن أَنَّ الرَّسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَا يمكن أَنْ يُجِبَّ أَبَا طَالب، فالجوابُ عَلَيه أَنَّ المَحَبَّةَ نوعان: محبةٌ طبيعية، ومحبةٌ شرعية، فالمحبةُ الطبيعية لَا تُنَافي المحبة الشرعية، فقد تجتمع مَعَهَا، وَقَد تنفرد، فَإذَا كَانَ المؤمن قريبًا لك اجتَمَعَ فيه المحبَّتَان، وَإذَا كَانَ بعيدًا منك، وُجِدَت فيه محبةٌ واحدةٌ، وهي الشرعية، وَإذَا كَانَ قَريبًا وَهُوَ غَيرُ مُؤمن، ففيه محبة واحدة، وهي المحبة الطبيعية.

قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، أي: يهدي هِدايةَ توفيق، وقوله تعالى: {مَنْ يَشَاءُ} أي: مَن يَشَاء أَنْ يَهديَه، وهنا نستطيع أَنْ نُقَدِّرَ: مَن يَشَاء هدايته؛ لقوله: {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}.

<<  <   >  >>