للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} عَلَّق الفِعلَ بالمشيئة، وَكُلُّ فِعل يُعَلِّقُه اللَّه بالمشيئة مِن أَفعَالِه، فإنه مَقْرُونٌ بالحِكمة؛ إذ إِنَّ أفعالَ اللَّهِ كُلَّهَا مَبنيَّة عَلَى الحِكْمَة.

إذن: {مَنْ يَشَاءُ} هدايتَه، لَيسَ الأَمرُ اعتباطيًّا، وَلَكنَّ الأَمرَ عَلَى حِكمة، قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: ٥٦]، لَا يَهدي مَن يَهدي إلَّا وَهُوَ أهلٌ للهداية، قَالَ اللَّهُ تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤].

وكذلك هُوَ أَعلَم حيث تَكونُ هَذِهِ الرِّسالَة، فَمَن كَانَ أهلًا للرسالة أُرْسِلَ، وَمَن كَانَ أهلا للقِيام بواجبِ الرِّسالَة، هُدِيَ لذلك.

فإذن الإطلَاقُ في قَوْلِهِ: {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} عَلَى وَجْه الحِكْمَة.

قَولُه تعالى: {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَيْ: عَالمٌ بِالمُهْتَدِينَ].

وهنا أخطأ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ، فنحن ننتقده مِن وَجهَين:

الوجه الأول: أَنَّ هَذَا تحريفٌ للقُرآن؛ حيث حَوَّل {أَعْلَمُ} الدالَّ عَلَى الكَمَال في العِلم والأفضلية فيه إلَى (عالِم)، الَّذي لَا يَمنَع مشاركةَ غَيرِه لَهُ في هَذِهِ الصِّفَة، فأنا أقول: محمدٌ عالِم، وزيْدٌ عالِم، وبَكْرٌ عالِم، إلَى آخِره، لَكن لَو قلت مثلًا: زيدٌ أَعْلَمُ. فمَعنَاه أَنَّه مَا ساواه أَحَدٌ في عِلْمِه.

فالمُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ الآن حَرَّف القُرْآن، حيث فَسَّر {أَعْلَمُ} بـ (عالم)، وفَسَّر مَا يَدُلُّ عَلَى الكَمَال بمَا يَدلُّ عَلَى المُشارَكَة.

الوجه الثَّاني: أَنَّنا نقول: إِنَّ وَصفَ اللَّه بأَنَّه {أَعْلَمُ} أكملُ مِن وَصْفِه بأَنَّه (عالِم)، أكمل بلا ريبٍ، فَمَا الَّذي يمنَع أَن نَقولَ (أَكْمَلُ)، وكأنه يُريد أَنْ يَقُولَ: لَا يمكن أَنْ نَقولَ: إِنَّ اللَّهَ أعلَمُ، فنَجْعَل للَّه مُشارِكًا في العِلْم، فنقول: مَا جَعَلتَ للَّه مشاركًا

<<  <   >  >>