للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معناهما واحِدٌ، وهما لُغتان في المصدر، يقول: حَزَنَه كأحْزَنهُ. يعني: أن الحَزن الَّذِي لَيْسَ مزيدًا بالهمزة مِثل: أَحْزَنَه المزيد بالهمزة مِنْ حِيْثُ التَّعَدُّد.

وقوله: [بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ هُنَا] أي: حازِن، أي: مُحزِن، وقد أوَّله المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى هَذَا؛ لأن الحُزن شُعور بالنَّقْصِ، وموسى -صلى اللَّه عليه وسلم- مُدْخِل لهذا الشعور -وهو الحُزْنُ- فِي أنفُسِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فيكون {وَحَزَنًا} بمعنى: حازنًا.

والمصدر أحيانًا يَأْتِي بِمَعْنَى اسم الفاعل، وأحيانًا بمعنى اسم المفعول، فيقال: فلانٌ عَدْلٌ رِضًى، ويقال أيضًا: فلانٌ ثِقَةٌ. وعَدْلٌ، ورِضًى، وثِقَةٌ مصادرُ بمعنى اسم الفاعل: عادل، وهو اسم فاعل، ومَرْضِيٌّ، وموثوق، وكلاهما اسم مفعول.

وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" (١)، هذا مصدر بمعنى اسم مَفْعُول.

{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}، الْعَدُوُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حَدُّوه بتعريف، هُوَ الحكْمُ في الواقع، فقالوا: إِنَّ الْعَدُوَّ مَنْ سَرَّهُ مَساءة شخصٍ، أو غَمَّه فَرَحُه، فهو عَدُوُّه.

كُلُّ إِنْسَانٍ يَسُرُّه أَنْ تُسَاءَ، ويَحْزُنه أَنْ تُسَرَّ؛ فهو عَدُوٌّ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَسُرُّه أَنْ تُسَرَّ، ويُحزنه أن تَحْزَن؛ فَهُوَ وَلِيٌّ.

قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} هَذِهِ الجملة تعليلٌ لقوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} كَأَنَّهُ قِيلَ: لماذا يكون {لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}؟ فتبَيَّنَ أَنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ هُوَ خَطَأُ هؤُلاءِ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، رقم (٢٦٩٧)، مسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، رقم (١٧١٨).

<<  <   >  >>