للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا قَوْلُكُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ فيصح؛ لأنك تُخَاطِب اللَّهَ، فهو متعين، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا بُدَّ لقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} مِن مَرجع لمخالَفَة الصوفية، الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. فهم يُعيدونه فيقولون: (هو، هو، هو، هو) إِلَى آخِرِهِ، فَيَعْبُدُونَ اللَّهَ بلفظٍ، ويذكرون اللَّهَ بلفظ الضَّمير فقط، ويحذفون {لَاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ} فيقولون: (هو، هو، هو)، فإذا وَجَدْتَهُمْ فِي مجتمعاتهم وهُم يَهُزُّون الرءوس، ويَضْرِبون الطُّبول، ويُغَبِّرُون بالأصوات، ويقولون: (هو، هو).

قَوْلُه تعالى: {وَلَهُ الْحَمْدُ}: {لَهُ} الجارُّ والمجرور خبرٌ مقدَّم، وتقديم ما حقُّه التأخير يُفيد الحصر، فقوله: {لَهُ} أي: لَهُ وَحْدَهُ.

قَوْلُه تعالى: {الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالآخِرَةِ}، أما غَيْرُهُ، فَلَيْسَ لَهُ الحمد الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ اللَّه؛ لَا فِي الْأُولَى، وَلَا فِي الآخِرَةِ، وقوله: {الْحَمْدُ}: (ال) هذه للاستغراق، أي: جَمِيع أَنْوَاعِ الحمد، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ خَيْرٍ، أَوْ شَرٍّ، فَاللَّهُ تعالى لَهُ الحمد كُلُّه، فَهُوَ الَّذِي لَا يُحمَد عَلَى سُوءٍ سِواه، يُحمَد عَلَى كُلِّ حَالٍّ، كَمَا قَالَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "الحَمْدُ للَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ" (١).

وقوله: {لَهُ} اللام هنا هي للاخْتِصاص وللاسْتِحقاق، فالحمدُ المطلَق مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ، وَالمُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ غيرَهُ -وإِنِ اسْتَحَقَّ أَنْ يُحْمَدَ- فإنما أَتَى بِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَمْدِ هُوَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وغاية مَا يَكُونُ أَنْ يَكُونَ وسيلة، فالإنسان -مثلًا- يُحمد عَلَى مَالَهُ مِنَ الصِّفَاتِ الكاملة، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لَكِنْ هَذَا مِنَ اللَّهِ.

إذن: فالحمد حقيقةً للَّه، فالذي يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ هُوَ اللَّهُ، وَالَّذِي يَخْتَصُّ بالحمد


(١) أخرجه ابن ماجه: كتاب الأدب، باب فضل الحامدين، رقم (٣٨٠٣).

<<  <   >  >>