للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المُطْلَقِ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْوَالِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ.

قوله: {فِي الْأُولَى} أي: الدُّنيا، يُحمد فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا أجراه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ أَحْكَامٍ كونية، وما شرَعه مِنْ أَحْكَامٍ شرعية؛ يُحمد عليها حمدًا كاملًا.

قَوْلُه تعالى: {وَالآخِرَةِ}: قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [الجَنَّة]، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فالآخرة تشمل مُنذ أَنْ يُبْعَثَ النَّاسُ إِلَى أَنْ يَصِلُوا إلى منازلهم؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُحمد، بَلْ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَفتَح عَلَى نَبِيِّهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ المَحَامِدِ مَا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ (١)، وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يظهَر حمدُه لِكُلِّ أَحَدٍ؛ فإنه يَظهَر عدلُه، ويظهر فضلُه وإحسانُه، وتَظهر حكمتُه، وتَظهر قُدرتُه، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ العظيمةِ الَّتِي تَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، ويستحق عليها الحمدُ.

فليس المَعْنَى أَنَّهُ لَا يُحمَد إِلَّا فِي الْجَنَّةِ، فهذا قُصور جِدًّا مِن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالآخِرَةِ}.

وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ يَسْتَأْذِنُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الشَّفَاعَةِ، ويسجد تَحْتَ الْعَرْشِ فيفتَح اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ المَحَامِدِ مَا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلُ (٢)، وهذا قَبْلَ دُخُولِ الجنة، بل قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ الخَلق.

قَوْلُه تعالى: {وَلَهُ الْحُكْمُ} اللام فِي قَوْلِهِ: {لَهُ} خبرٌ مُقَدَّم، وتقديم الخبر يُفيد الحَصر، قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [القَضَاءُ النَّافِذُ فِي كُلِّ شَيْءٍ]، والحُكم يشمل القضاء،


(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: ٣]، رقم (٤٧١٢)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم (١٩٤).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، رقم (٤٤٧٦)، ومسلم كتاب: الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم (١٩٣).

<<  <   >  >>