للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويَصِحُّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، مِن القَرِّ، وهو البَرد؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ إذا بَرَدَت، فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَامَةً عَلَى السُّرور، ولهذا يقال: دَمُ السُّرور بارد، ودَمُ الحُزن حارٌّ.

ويقال: يبكي عليه بدمعٍ حَارٍّ، يعني: مِنَ الحُزْنِ.

إذن نقول: قُرةُ العَين كِنَايَةٌ عَنِ بُرودتها، وبُرودة العين دَلِيلٌ عَلَى السرور.

وقيل: إِنَّهَا مِن قَرَّ بالمكان، وهو القَرار وعدمُ الاضطراب؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ خَائِفًا بدأت عينُه تَجُول مِن هنا، ومن هنا، تَشْخَصُ وتَجُولُ وتلتفت، لَكِنْ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا قارَّة، ولكن قرارها دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَخَفْ.

قَوْله تعالى: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}. قولها: {لَا تَقْتُلُوهُ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ هَمُّوا بقتله، وإلَّا لمَا كَانَ لقولها: {لَا تَقْتُلُوهُ} فائدة.

وقوله تعالى: {لِي وَلَكَ} لَا شَكَّ أنَّه وَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا توقَّعَتْ، وصار هَذَا الْوَلَدُ قُرَّةَ عَيْنٍ لها، ورِفعة لَهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وأما لفِرعونَ فلا، فما صَارَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُرَّةَ عَيْنِ، بَلْ كَانَ لَهُ عَدُوًّا وَحَزَنًا.

ومن غرائب التَّفْسِيرِ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَقْرَأُ هَكَذَا: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي} ويَقِفُ، ثُمَّ يَقْرَأُ: {وَلَك لَا}، ثم يَقِف، ثُمَّ يَقْرَأُ: {تَقْتُلُوهُ} جملة مُستأْنَفة، وَهَذَا فِي الحْقِيقَةِ مِن التلاعُب بالقُرْآن؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ لَقَالَ اللَّهُ تعالى (تقتلونَه)؛ إِذْ إِنَّ حذفَ النُّون هُنَا لَا نَعْلَمُ لَهُ سَبَبًا سِوى النهي، فكيف يُفسَّر كَلَامُ اللَّهِ بِمِثْلِ هَذِهِ التفاسير الواردة، ولكن ذكرناه؛ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِهِ، حَتَّى إِنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي اللَّه عنه- (١) وَلَكِنْ هَذَا مِنْ أَبْعَدِ مَا يَكُونُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لمَا فِيهِ مِنْ تفكيك الكلام وتَنَاثُره،


(١) معاني القرآن للفراء (٢/ ٣٠٢).

<<  <   >  >>