وعدم التئام بعضه مَعَ بَعْضٍ، ولأن النون فِي الْفِعْلِ {تَقْتُلُوهُ} حذوفة، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ {لَا} مُسلَّطة عليه.
ولكن امرأة فِرْعَون -رضي اللَّه عنها-؛ إما أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التهدئة له، ولتُفرحه، وإما أنَّها قَالَتْ ذَلِكَ معتقدةً له، وَلَكِنْ لَيْسَ مَنِ اعتقدَ شيئًا يَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى وِفَاقِ مَا اعْتَقَدَ، بَلْ قَدْ يُخْلِفُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اعتقادَ الإِنْسَان؛ لحِكمة يُريدها، وَهَذَا لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تَقُولَه معتقدةً أَنَّهُ سَيَكُونُ قُرَّةَ عَيْنِ له ولها أيضًا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قولها: {عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَخِذَهُ وَلَدًا}.
قوله تعالى: {عَسَى} للترجِّي، وقوله: {يَنْفَعَنَا} للخدمة، {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}، نتبنَّاه.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لَيْسَ لفِرْعَونَ مِنِ امْرَأَتِهِ ولدٌ، فقالت: {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}، وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرقًا، فإن انتفاعَهم بِهِ لَا يجعلهم يَحْنُون عَلَيْهِ كَمَا يَحْنُون عَلَى الْوَلَدِ، فالخادم عِنْدَ الْإِنْسَانِ يأمرُه وينهاه، وَلَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ لَهُ مِنَ الرَّحْمة والرأفة والعطف مَا يَكُونُ للولد، وَلِهَذَا قَالَت: {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}، وهذا انْتِقَالٌ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الأَعْلَى.
إذن: هي تُرِيدُ أَنْ تَقُولَ: نحن لسنا محرومين مِنْ هَذَا الْوَلَدِ؛ فَإِمَّا أَنْ نتخذه خادمًا ننتفع به، وإما نَتَّخِذَهُ وَلَدًا نفخر به، ويكون لَنَا فِي مَنْزِلَةِ الولد.
وهناك احتمال ثالث لمَا سَبَقَ، فلا ينفعهم، ولا يتخذونه ولدًا، وَلَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ هَذَا السياق؛ لأنَّها تريد ترغيبهم في إبقائه، والترغيب في الإبقاء لَا تَذْكُرْ فِيهِ إِلَّا الصفات المرغوبة، وَهِيَ أَنْ ينفع، أو يُتخَذ ولدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute