بل لأن اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُعْطِي ويمنع.
إعراب قوله: {اللَّهَ} لفظ الجلالة هنا يُعرَب اسمَ (إِنَّ) عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، واسم (كَأَنَّ) عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي.
قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يَبْسُطُ}: يُوَسِّعُ]، وقوله: {الرِّزْقَ} أي: العَطاء، وقوله: {لِمَنْ يَشَاءُ} مَنْ بِمَعْنَى الَّذِي، أي: للذي يشاء.
وهذه المشيئة هي مشيئةٌ مقرونة بحكمةٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلَ ذلك أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ علَّقه اللَّهُ تعالى بمشيئته؛ فإنه مقرونٌ بحِكمته، فَاللَّهُ تعالى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لمِنْ يَشَاءُ ممن اقتضت حكمتهُ أَنْ يَبْسُطَ لَهُمُ الرزق، وَقَدْ جَاءَ فِي الحْدِيثِ القدسي: "إِنَّ مِنْ عِبَادِي المُؤْمنِينَ لمَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الْغِنَى، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي المُؤْمِنِينَ لمَنْ لَا يُصلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الْفَقْرُ، وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ" (١).
فاللَّه تعالى حكيم، يَبْسُطُ الرِّزْقَ لفلان؛ لأن الحكمة تَقْتَضِي ذَلِكَ، ويضيِّقه عَلَى فُلَانٍ؛ لأن الحكمة تَقْتَضِي ذَلِكَ، وليس لِأَنَّ المَسْأَلةَ مسألةٌ اعتباطيَّة دون أيِّ رَوِبَّة، بل للَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الحكْمَةُ فِيمَا أعطى، وفيما مَنَع.
وقوله: {مِنْ عِبَادِهِ} عباد: جمعُ عَبْدٍ، والمراد بالعبُوديَّة هنا العُبوديَّة العامَّة، الَّتِي هِيَ التذلُّل للأمر الكوني، وليست العبودية الخاصة الَّتِي هِيَ التذلُّل للأمر الشرعي، وقد مَرَّ عَلَيْنَا أَنَّ العبودية تَنْقَسِمُ إِلَى اثْنَيْنِ:
عبودية عامَّة: وهي الخُضوع للأمر الكوني، وهي شَامِلَةٌ لِجمِيعِ الخَلق، قَالَ اللَّهُ تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣].
(١) أخرجه البغوي في شرح السنة (٥/ ٢٢)، وأبو نعيم في الحلية (٨/ ٣١٨)، وابن عساكر (٧/ ٩٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute