للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَلْ إِذَا كَانَ السياق لَا يُحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ، فلا نُقَدِّر.

وقوله: {مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} المنُّ: هو العطاء الَّذِي لَا يرادُ بِهِ المقابلة، أو المكافأة، ولا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُرِيدُ مِن عِباده أَنْ يُكافئوه؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ حاولوا المكافأة ما استطاعوا، قَالَ تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: ١٨]، وقوله: {لَخَسَفَ بِنَا} كما خَسَفَ بقارون، ولكن مِنَّةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ منعت ذلك، فرَجَعُوا إِلَى الصَّوَابِ، وعرفوا أَنَّ أَمْوَالَ قارونَ لَمْ تُغْنِ عَنْهُ شَيْئًا.

يقول المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: {لَخَسَفَ بِنَا} [بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالمَفْعُولِ] أي: قراءتان سَبْعِيَّتَان: {لَخَسَفَ بِنَا} و"لَخُسِفَ بِنَا"، وعلى قراءة {لَخَسَفَ بِنَا} أي: لَخَسَفَ بنا كما خَسَف بقارون، وعلى قراءة: "لَخُسِفَ بِنَا"، فَإِنَّ المُرَادَ خَسَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا شَكَّ، لكنهم قَالُوا ذَلِكَ تأدبًا، فلم يَنْسِبُوا الخَسف إِلَى اللَّهِ، بل بَنَوْه للمفعول؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَنْسِبُوا الخَسْفَ إِلَى اللَّهِ، كقول الجِنِّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: ١٠]، فهم يعرفون أَنَّ الَّذِي يُرِيدُ ذَلِكَ كُلَّهُ هُوَ اللَّهُ، لَكِنْ لمَّا تكلَّموا عَنِ الشَّرِّ لم يَنسِبُوهُ إِلَى اللَّهِ، وَهَذَا مِنَ الْأَدَبِ فِي اللَّفْظِ.

فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يترك الْأَمْرَ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ إظهارًا لِعَظَمَتِه، لكن العباد يتأدّبون بالأدب، فلا يَنْسِبُونَ إِلَى اللَّهِ تعالى الشرَّ، ولا الخَسْفَ، ولا الأخذَ.

أَمَّا كونُ اللَّه يَنْسِبُ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ، فهذا إظهارٌ للعَظَمَة، ولضعف هَؤُلَاءِ المُعَذَّبِينَ.

قَوْلُه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}، قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [لِنِعْمَةِ اللَّهِ كَقَارُونَ].

وقد تَقَدَّم الْكَلَامُ عَلَى إعراب: {وَيْكَأَنَّهُ}.

<<  <   >  >>