للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلْفَاعِلِ وَالمَفْعُولِ] (١).

قوله: {لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ} لَوْلَا شَرطية، وَهِيَ حَرْفُ امتناعٍ لِوُجُودٍ، فقد امتنع الخسف لوجود المنَّة، وَمَا بَعْدَهُ يكون مبتدأً، وخبرُه محذوف غالبًا، قَالَ ابْنُ مالك (٢):

وَبَعْدَ لَوْلَا غَالِبًا حَذْفُ الخَبَرْ ... . . . . . . . . . . . . . . . .

قَوْله: {أَنْ مَنَّ اللَّهُ}: {أَنْ} مَصْدَرِيَّة، وقوله: {مَنَّ} فِعلٌ ماضٍ، و (أَنْ) وما دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ مصدر مبتدأ، أي: لولا مِنَّةُ اللَّهِ عَلَيْنَا، والخبرُ محذوف تقديره: لولا مِنَّةُ اللَّهِ عَلَيْنَا موجودة، أو واقعة.

وَعِنْدِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إن المبتدأ هُنَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى خَبَرٍ أصلًا، فلَا نَقُولُ كَمَا قَالَ النحويون: إنه محذوف، بَلْ نَقُولُ: إِنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ؛ لِدَلَالة الْجَوَابِ عَلَيْهِ، ونقول: هو مبتدأ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى خَبَرٍ، كَمَا قِيلَ فِي الْقَسَمِ فِي قَوْلِهِ: {وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: ١ - ٥]، إِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ، فابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مختصر الصواعق المرسلة قال: "وَأَمَّا نَحْوُ قَوْلِهِ: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشعراء: ٦٣]، فَلَيْسَ هُنَاكَ تَقْدِيرٌ أَصْلًا إِذِ الْكَلَامُ مُسْتَغْنٍ بنَفْسِهِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى تَقْدِيرٍ، فَإِنَّ الَّذِي يَدَّعِي تَقْدِيرَهُ قَدْ دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ بِاللُّزُومِ، فَكَأَنَّهُ مَذْكُورٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ بلَازِمِهِ كَمَا يَدُلُّ بِحُرُوفِهِ، وَلَا يُقَالُ لمَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلَالَةَ الْتِزَامٍ إِنَّهُ مَحْذُوفٌ" (٣).

ونقول: استُغِني عَنْهُ فِي الجُمْلَةِ؛ لأن دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ لَيْسَتْ دَلالة ذاتية،


(١) السبعة في القراءات، لابن مجاهد (ص ٤٩٥).
(٢) ألفية ابن مالك (ص ١٨).
(٣) مختصر الصواعق المرسلة، لابن القيم (ص ٣٥٣).

<<  <   >  >>