للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن نسأل: هل قولُ الأشعرية هُوَ قَوْلُ السَّلَفِ؟

والجواب: لا؛ لأن الأشعرية لَا يُثْبِتُونَ مِنَ الصِّفَاتِ إلا سَبعًا، عَلَى أَنَّ إثباتهم لَها لَيْسَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرِيدُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ لأنهم يُثبتون -مثلًا- الكلام، ويقولون: إِنَّ الْكَلَامَ هُوَ المَعْنَى القائمُ بالنفس، وَلَيْسَ هُوَ الحرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ، وهكذا، فَهُمْ غَيْرُ موافقين للسلف.

فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا هُمْ عَلَى الحَقِّ، والسلف عَلَى الضَّلَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ السَّلَفُ عَلَى الْحَقّ، وهؤُلاءِ عَلَى الضَّلَالِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مرتبة متوسطة بَيْنَ هَذَا وذاك؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: ٣٢].

وحينئذٍ يكونون ضالِّين، وَإِذَا ثَبَتَ ضلالُهم، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَبَدًا أَنْ يُقَالَ: إنهم مِنْ أَهْلِ السُّنة والجماعة؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ السُّنة ضَلالًا، وَهَذَا أَمْرٌ غَيْرُ مُمْكنٍ.

ولكن يَجِبُ أَنْ نعرف -وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُمْ ضالون فِي الْعَقِيدَةِ- أنه لَا يَلْزَمُ أَنْ نُضَلِّلَهم فِي كُلِّ شَيْءٍ، ونُخْرِجَهم مِنَ السُّنَّةِ وَالْجَماعَةِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ منهم أئمة، أو منهم علماء كبار لَا شَكَّ أنهم يَتَحَرَّون السُّنَّةَ فِي أُمُورٍ كثيرة، وأنهم مُوَفَّقُون لها أيضًا.

فالإنسان يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كلامُه فِي النَّاسِ بالعَدل، والقسطاس المستقيم، فلا يَهضِم أحدًا حَقَّهُ، وَلَا يُعْطِي آخَرَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ.

فالحاصِلُ: أنَّ هناك ميزانًا ذَكَرَهُ اللَّهُ هُنَا، وَفِي آيَاتٍ أُخرى، وهو ميزان واضح جدًّا، وَأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ إلا حقًّا، أو ضلالًا.

<<  <   >  >>