قوله: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ} الضَّمير -وَهُوَ الواو المحذوفة- تَعُودُ إِلَى الكافرين، أي: ولا يَصُدَّنَّك الكافِرُون، والخطابُ لِلرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، و (يَصُدُّ) يُستعمل لازمًا ومُتعديًا؛ فَإِنْ كَانَ لازمًا فهو بمعنى: أعرَض، وَإِنْ كَانَ متعديًا فهو بمعنى: صَرَف، فتقول مثلًا: صددتُه عن الخطأ، أي: صرفتَه، وتقول: صددتُه عن الضلال، أي: أَعْرَضْتَ عَنْهُ، وَفِي الْقُرْآنِ: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [النحل: ٨٨]، الفعل هنا الْأَوْلَى أَنْ نَقُولَ: إنَّهُ مُتَعَدِّ؛ لِأَنَّ مَنْ صَدَّ غَيْرَهُ فَهُوَ عَنِ الْحَقِّ أَصَدُّ، لَكِنْ مَنْ صَدَّ بنفسه، فقَدْ لَا يُصَدُّ غيرَه.
فَالْأَوْلَى أَنْ نَحْمِلَ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الصَّدِّ عَلَى الشَّيْءِ المتعدي، لَا عَلَى اللازم.
وهنا فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ} الفِعل مُتَعَدٍّ، بدليل الكافِ، فهي مَفْعُولٌ بِهِ، أي: لا يَصْرِفَنَّك هَؤُلَاءِ عَنِ آيَاتِ اللَّهِ، والمراد هنا الآياتُ الشرعية.
قَوْلُه تعالى: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ} أي: عَنِ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ آيَاتُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: ٦]، وكَوْنُ الْقُرْآنِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تعالى؛ لأنه كلامُه، وما يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْأَخْبَارِ، والقَصص النافعة، والأحكام العادلة؛ وَلأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِه، كَمَا قَالَ: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطور: ٣٣ - ٣٤]، فهنا تَحَدٍّ لهؤُلاءِ الأعداء الَّذِينَ هُمْ أقوى الناس فصاحةً، وَمَعَ ذَلِكَ عَجَزُوا، وما استطاعوا، وَلِهَذَا كَانَ الْقُرآنَ آيَةً مِنْ آيَاتِ اللَّهِ.
وَقَوْلُهُ: {بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ} إِذَا قُلْنَا: مَا الْفَائِدَةُ مِنْ قَوْلِهِ: {بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ}، وأصل النهي لَا يَقَعُ: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ} إِلَّا إِذَا كَانَتْ نَازِلَة؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute