للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصِّبْيَانَ تُرجَى إجابة دعوتهم.

فالمهم: أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ قَبْلَ البلاء حالٌ، وبَعد البلاء تتغير حالُه، وهكذا أَيْضًا فِي الْأُمُورِ الشرعية، فالنَّبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قال: "مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يَبْعَثُ بهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ"، أَوْ "لمِا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ" (١).

وَهَذَا هُوَ الواقع، فالْإِنْسَانُ يَجِبُ أَنْ يتحرَّز مِنَ الْبَلَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ". قَالُوا: وَكَيْفَ يَذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ لمِا لَا يُطِيقُ" (٢).

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: فِيهَا دَليلٌ عَلَى أَنَّ الطبيعة البشرية لَا يُؤَاخَذُ بِهَا المرء، فما تقتضيه الطبيعة البشرية لا يؤاخذ به المرء، ووجه ذَلِكَ أَنَّ فؤاد أُمِّ مُوسَى كَانَ يَنْبغي أَلَّا يَكُونَ فَارِغًا مِنْ ذِكر اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ومِن الدَّار الآخرة، لكنه أصبح فارغًا، لَيْسَ فِيهِ شيءٌ أبدًا لِذِكْرِه، سوى ذِكر موسى، وهذا مقتضى الطبيعة البشرية؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ العظيمة التي تنزل بالمرء تُنسيه كُلَّ شيء.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَة أُمِّ مُوسَى -رضي اللَّه عنها-؛ لكونها لم تُبْدِ مَا فِي قلبها لأحد، لقوله: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ المَرْءَ مُفْتَقِرٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كُلِّ أحواله،


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٤٣١)، أَبو داود: كتاب الملاحم، باب خروج الدجال، رقم (٤٣١٩).
(٢) أخرجه الترمذي: كتاب الفتن، بعد باب ما جاء في النهي عن سب الرياح، رقم (٢٢٥٤)، وابن ماجة: كتاب الفتن، باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: ١٠٥]، رقم (٤٠١٦)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

<<  <   >  >>