للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ نُزُولِ الحوادث؛ لقوله: {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}، فالإِنْسَان مُفْتَقِرٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ولولا معونةُ اللَّهِ مَا فَعَلَ الإِنْسَانُ شيئًا، لا صَبَرَ عَلَى بلاء، ولا شُكر عند الرخاء.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِ العِلل والأَسْباب؛ لقوله: {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، فهناك مَنْ يُنْكِرُ الأَسْباب والعِلل، وهُم الجَهميَّة والأشاعرة، فهُم يُنكرون حتَّى الأَسْباب الظَّاهرة الجليَّة، ويقولون: إِنَّ الشَّيْء يَحْدُثُ عِنْدَهُ لَا بِهِ، فلو أخذتَ حَجرًا وضربتَ به الزُّجاج وانكسر، فلا يقولون: إِنَّ الزجاج انكسر بالحَجَر، بل انكسر عنده. مع أَنَّك إِذَا وَضَعْتَ الحجَرَ عَلَى الزجاج لا ينكسر، وَلَكِنْ إِذَا ضربتَه به انكسر.

وكذلك عند تناوُل المريض الدواءَ، هُم يَدْعُون: (اللهم اجعل شفائي عند الدواء). وذلك بِنَاءً عَلَى إنكارهم الأَسْباب، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: فِي قَوْلِهِ: {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِيمَان والكمال فِي الرِّجَالِ أكثرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنَاتِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تعالى فِي مَرْيَمَ: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: ١٢]، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الحْدِيثِ: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَونَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ" (١).

ولا ريب أَنَّ الْإِيمَانَ فِي الرِّجَالِ أكثرُ وأثبتُ وأزيدُ، فَفِي الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-:


(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [التحريم: ١١]، إلى قوله تعالى: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: ١٢]، رقم (٣٤١١)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين -رضي اللَّه عنها-، رقم (٢٤٣١).

<<  <   >  >>